قريبتي الكريمة
قريبتي في كل مرة أزورها تصر على أن تقدم لي وليمة على العشاء، وكلما أفهمتها أنني لا أتعشى عادة، وإذا كانت تصر فإنني أرغب في قليل من الطعام، فتنهرني قائلة: يالله عاد ماهوب على كيفك.مرة تقول لي: وش أعشيكم، بوفيه مشكل؟ جريش وسلطة ومرقوق ومطبق؟ فنصرخ جميعاً نحن الضيوف قائلين لا لا، وإذا بالبوفيه يحضر ونضطر إلى أكله حتى لا تغضب منا وتقطع العلاقات معنا. مرة أخرى تقول وش أعشيكم، تيس؟ نصرخ ونقول لا لا، لكن التيس يحضر ونأكل. في كل مرة أفكر أن هذه طريقتنا في عرض محبتنا وتقديرنا للآخرين، وهي أن نكرمهم، ونؤكلهم، ونشربهم ونملأ الموائد من أجلهم، وأخذت أعلل نفسي بأن هذا الكرم الحاتمي قد ينتهي زمانه وماعلينا الا أن نصبر حتى تأتي هذه اللحظة التاريخية التي نسأل فيها ضيفنا «قهوة أو شاي فيقول لا ماء بارد من فضلك».
لكنني بدأت أنتبه إلى كمية المشقة التي تقع فيها هذه السيدة والتي يقع فيها الضيوف من أجل هذا العشاء الأخير، «فالعشاء لا يأتي إلا متأخراً، مرة بسبب جدول مواعيد المطعم الممتلئة، ومرة بسبب جدول مواعيد السائق المزدحم، ومرة بسبب جدول مواعيد الزوج، وحتى يأتي العشاء تكون الخلافات الصاخبة قد دبت بين ربة المنزل والخادمة التي لا تفهم العربية، والسائق لأنه تأخر بالعشاء، ثم تتصل بالمطعم لتخاصمه على عدم التزامه بالقائمة المطلوبة، ونحن جالسون خائفين أن يأتي دورنا وتخاصمنا، لكنها تكتفي بجعلنا وحدنا نأكل الطعام وقد نام الأطفال على الأرائك ممددين.انتهت الزيارة دون أن نجلس أو نستمتع بالحديث معها وأكاد أشك أنها هي ايضا استمتعت لأن المشاكل حاصرتها من كل صوب وحدب، والتأخير قد حاصر ضيوفها، والسائقون ملوا في الخارج من طول الانتظار، والأطفال سهروا وحل موعد نومهم.مرة اقتربت منها قليلاً وسألتها «يا قريبتي الكريمة لماذا كل هذا، أَلم أقل لك إننا لا نفضل العشاء الثقيل، وكنا سنكتفي بما هو حاضر في المنزل ولو بساندويشة لبنة وزيتون؟»، التفتت إليّ وهي غاضبة وقالت: «ماهوب على كيفك إنت جاية ونبي نستانس، ونتعشى، ما تبين تعشين لا تعشين»، وهنا «اطمأنيت» على الأقل طلعت العزيمة «علشانها هم».