إطاحة رئيس أم إطاحة نظام؟

نشر في 12-02-2012 | 00:01
آخر تحديث 12-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 ياسر عبد العزيز مرت أمس الذكرى الأولى لإطاحة مبارك من موقعه على رأس الدولة المصرية، لكن أحداً لم يفكر لحظة واحدة بالاحتفال؛ إذ كان المصريون منقسمين إزاء "العصيان المدني"، الذي دعت إليه حركات وائتلافات ثورية عديدة، كما كانت الأنفاس محبوسة بعد إذاعة تقارير وتردد شائعات عن احتمالات قيام الجيش بـ"انقلاب عسكري" أو فرض "الأحكام العرفية". لم يكن أحد يصدق في مساء يوم 11 فبراير 2011، أن الأوضاع ستؤول إلى ما آلت إليه بعد عام كامل من عمر الثورة، فبمجرد أن أعلن اللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق تخلي مبارك عن الرئاسة، اندلعت الفرحة في الشوارع والميادين، وأُطلقت الألعاب النارية، وهيمنت الفرحة على البلاد، حتى ساد انطباع بأن خلع مبارك وحده يمكن أن يحل المشكلات العميقة والمتفاقمة، ولذلك فقد انصرف المتظاهرون من الميادين، مطمئنين إلى أن القوات المسلحة، التي تولت مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية، ستنجز مهمتها بما عرف عنها من التزام ووطنية وكفاءة. اليوم بات الجميع يعلمون أن نجاح الثورة لا يتعلق فقط بإطاحة الرئيس، بل إن إخضاعه للمحاكمة، هو ونجلاه وعدد من رموز نظامه، لم يكن كافياً أيضاً لتجاوز العقبات الجسام التي تعانيها مصر، والتي يمكن أن تظل تعانيها لسنوات مقبلة. تمت إطاحة مبارك بالفعل، وتمت إحالة عدد من رموز نظامه إلى المحاكمات، وتلقى بعضهم أحكاماً بالحبس، وجرت انتخابات برلمانية وُصفت بأنها الأنزه على الإطلاق منذ ستة عقود خلت، وأفرزت أغلبية برلمانية ذات سند إسلامي، لكن المتظاهرين مع ذلك اضطروا إلى محاصرة مبنى وزارة الدفاع قبل يومين، داعين إلى العصيان المدني ضد "الحكم العسكري". سقط مبارك يوم 11 فبراير الماضي، لكن نظامه لم يسقط بالكامل، ودولته العميقة مازالت تحكم، ولذلك فإن الثوار لا يشعرون بأن ثورة قد قامت، وأنهم شرعوا في جني ثمار تضحيات شهدائها ومصابيها. منذ أُطيح مبارك، ظل المشير طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والقائد العام للجيش ووزير الدفاع في مناصبه كلها، كما كرس نفسه على رأس مؤسسة الحكم في البلاد، وقد كان وزير دفاع مبارك لعقدين كاملين، وقبلها كان قائداً لـ"الحرس الجمهوري"، الذي يمثل قوات النخبة الحامية للرئيس، وبالتالي يمكن فهم أنه كان أحد أقرب خلصائه. رئيس الأركان الفريق سامي عنان أيضاً لم يتم تغييره، ولا أي من القادة الرئيسيين للقوات المسلحة؛ ولذلك لم يكن مستغرباً أبداً أن يرأس الحكومة المصرية ثلاث شخصيات في أعقاب إطاحة مبارك كلهم خدموا معه خدمة مباشرة، وكلهم قام بنفسه بتعيينهم سابقاً في مناصب رفيعة. فقد كان على رأس الحكومة المصرية يوم أُطيح مبارك أحد أقرب رجاله إليه وهو الفريق أحمد شفيق، الذي بات مرشحاً رئاسياً محتملاً، وقد اختاره مبارك قبل إعلان تخليه عن الحكم بأيام ليشكل حكومة على أنقاض حكومة أحمد نظيف التي تمت التضحية بها أملاً في احتواء الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة. أما ثاني رئيس للحكومة فلم يكن سوى الدكتور عصام شرف وهو وزير سابق في إحدى الحكومات التي خدمت مع مبارك، والأمر ذاته بالطبع ينطبق على الدكتور كمال الجنزوري رئيس الحكومة الحالية، والذي كان قد حلف اليمين أمام مبارك مرتين كوزير ومرة ثالثة كرئيس للوزراء في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. أكثر من نصف عدد الوزراء والمحافظين الذين يحكمون البلاد في عهد ما بعد إطاحة مبارك كانوا من أتباعه وتلاميذه أو المتمتعين بثقته، والذين شغلوا مناصب عديدة في ظل حكوماته المتعاقبة منذ عام 1981 حتى 2011. بل إن النائب العام، وعددا كبيرا من قيادات الشرطة والأجهزة الأمنية الرفيعة الأخرى عملوا في ظل نظام مبارك، ولم يتم استبدالهم عقب إطاحته، رغم المطالب المتتالية بالتطهير والتغيير في أعقاب الثورة. الجهاز الإداري المتمدد في أعماق البلد، والذي يمثل شبكة بيروقراطية عملاقة، تتحكم بمفاصل الدولة وتسير مصالحها لم يطرأ عليه تغيير يذكر بالضرورة، بل إن الضابط الرفيع الذي عهد إليه نظام مبارك دائماً تنظيم الجوانب الإجرائية للانتخابات السياسية العامة في البلاد على مدى سنوات طويلة، واصل عمله نفسه في ظل حكومة الثورة. الأمر الأخطر من ذلك أن منظومة الإعلام المصرية المملوكة للدولة، والتي تتمثل بنحو 55 صحيفة، وأكثر من 25 قناة تلفزيونية، وعشرات الخدمات الإذاعية والمواقع الإلكترونية، والتي يعمل فيها مجتمعة نحو 75 ألف إعلامي وصحافي وعامل وإداري، كلها مازالت في حوزة المجلس العسكري، الذي لم يجر تغييرات تذكر في قياداتها، وحينما اضطر لإجراء تغييرات قام بها في أضيق نطاق، واختار عناصر من التي عُرف عنها الولاء لمبارك شخصياً، قبل نظامه، لتولي المناصب القيادية الشاغرة. لم تكن الثورة المصرية وهماً أو عملاً غير مسؤول بطبيعة الحال، بل كانت وهجاً نبيلاً وضرورة ملحة لدولة كبيرة باتت على شفا الغرق في مستنقع الفساد والعجز والركود، ولشعب عريق لم يحظ بالمكانة أو المعاملة اللائقة. لكن الثورة التي نجحت في موجتها الأولى في إطاحة رأس النظام وعنوانه لم تستطع أن تهدم بقية أركان النظام، التي لملمت نفسها وعادت محاولة إعادة إنتاج الأوضاع السابقة. يمكن الاحتفال بإطاحة مبارك باعتبارها الخطوة الأولى في طريق صعبة طويلة نحو هدم النظام السابق في مصر وإعادة بناء نظام جديد، دون أن يعني هذا أن تلك الخطوة لم تكن صائبة وضرورية، ودون أن يعني أيضاً أنها كانت سراباً أو شيئاً غير ذي أهمية. * كاتب مصري
back to top