ما قل ودل: الوزير المحلل... محاولة للفهم
((في ضوء تشكيل الحكومة الجديدة التي خلت من أي عضو من أعضاء مجلس الأمة السابق، وهو ما يطلق عليه "الوزير المحلل"، وما يتبع ذلك من جدل دستوري في هذا الشأن، نعيد نشر مقال المستشار شفيق إمام الذي نشرته "الجريدة" في عددها الصادر في 7 أبريل لعام 2008، والذي يؤكد فيه أن النص الدستوري لا يتطلب تعيين "وزير محلل" في غياب مجلس الأمة)).
تعيين الوزير المحلل: في أعقاب استقالة الوزيرين عبدالواحد العوضي وعبدالله الهاجري، النائبين السابقين من الحكومة، للترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، وهي الاستقالة التي فرضها قانون الانتخاب على الوزراء نأياً بهم عن أي شبهة تحوم حول استخدامهم سلطاتهم التنفيذية في التأثير في سير الانتخابات في الدوائر التي يرشحون فيها، تتردد دائماً فكرة «الوزير المحلل»، الذي يتم اختياره من نواب المجلس الذي انتهت مدته أو تم حله.وبادئ ذي بدء فإن قبول نائب في المجلس السابق حقيبة وزارية مدة لا تجاوز شهرين، يحمل من المعاني التي يجب أن ينأى كل نائب بنفسه عنها، ومنها أن حمله الحقيبة الوزارية سوف يحمل معنى مكافأة الحكومة له على ما أداه من خدمات، أو يحمل معنى تضحيته بالنيابة عن الأمة في سبيل الحقيبة الوزارية أملاً في أن يشمله التشكيل القادم، وهو تطلع وتلهف على المنصب نهى عنه الإسلام عندما دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلان يطلبان منه أن يوليهما على بعض ما ولاه الله عز وجل، فأجابهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حديث ما معناه «إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه».إلا أنه قد يكون عذراً كافياً لمن قبل هذه المهمة من قبل، أو لمن يقبلها من بعد، لكي يكون وزيراً منقذاً، لا وزيراً محللاً، سداً لما أطلق عليه بعضهم فراغاً دستورياً، خلال الفترة المتبقية حتى بدء الفصل التشريعي التالي، يؤدي إلى بطلان التشكيل الوزاري وبطلان المراسيم والقرارات التي تصدر في غياب الوزير المنقذ وفقاً لمفهوم خاطئ للنص الوارد في المادة (56) من الدستور والقاضي بأن «يكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم».محاولة لفهم النص الدستوري: وفي محاولة لفهم النص الدستوري سالف الذكر، فمن المقرر في تفسير النصوص الدستورية والقانونية، أن النص يدور وجوداً وعدماً مع علته، والعلة– كما يقول علماء أصول الفقه– هي الوصف الظاهر المنضبط الذي لا يسري الحكم إلا في وجوده، والعلة في تطبيق النص الدستوري السالف الذكر هي أن يكون هناك مجلس أمة، يمارس صلاحياته الدستورية، سواء في أثناء أدوار انعقاده أو فيما بين هذه الأدوار، أما إذا انتهى الفصل التشريعي أو صدر مرسوم بحل مجلس الأمة، فإن المجلس لا يكون قائماً ولا يكون هناك محل لتطبيق هذا النص، لانتفاء علة تطبيقه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن النائب الذي يتم اختياره «وزيراً محللاً» هو نائب سابق، يمثل مجلساً سابقاً، بل إن عضو أو أعضاء مجلس الأمة الذين كان يضمهم التشكيل الوزاري قبل انتهاء ولاية المجلس السابق، قد أصبحوا بانتهائها أعضاء سابقين ولا يكون استمرارهم في شغل المنصب الوزاري مرتبطاً بتمثيلهم لمجلس الأمة. إفراغ النص الدستوري من مضمونه: وتعيين «وزير محلل» من نواب المجلس الذي انتهت ولايته يفوت مقاصد المشرع الدستوري من النص السالف الذكر، والأمور– كما يقول علماء أصول الفقه- بمقاصدها، بمعنى أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو مقصود من هذا الأمر، بما يوجب علينا الإمعان في هذا النص وتفسيره بما يحقق مقاصده، وأول هذه المقاصد، إضفاء الطابع الشعبي على الحكم، بحسبان أن النائب يمثل الأمة بأسرها، طبقاً للمادة (108) من الدستور، أما النائب السابق فإنه بطبيعة الحال لم يعد يمثلها، ومن المقاصد الأخرى للنص الدستوري السالف الذكر، هو أن يكون مجلس الأمة ممثلاً في مجلس الوزراء مثلما يمثل الوزراء في مجلس الأمة، مما يخلق قناة أخرى من قنوات الاتصال والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبانتهاء ولاية مجلس الأمة بانتهاء مدته أو حله، تغيب قنوات الاتصال المذكورة حيث تندمج السلطة التشريعية في السلطة التنفيذية لتمارس الأخيرة التشريع عن طريق مراسيم الضرورة، بما يفرغ النص الدستوري من مضمونه وفحواه، القول بتعيين وزير محلل «خلال الفترة القصيرة السابقة على بدء الفصل التشريعي» ويجعل النص في التطبيق شكلاً بغير مضمون.مخالفة روح الدستور ولا يقتصر الأمر في تعيين «الوزير المحلل» على مخالفة وإفراغ النص الدستوري سالف الذكر من مضمونه وفحواه، بل إن هذا التعيين يخالف روح الدستور فيما تنص عليه المادة (57) من أن «يعاد تشكيل الوزارة عند بدء كل فصل تشريعي»، وذلك للتعرف على الجديد من رأي الأمة، وهذا الجديد- كما تقول المذكرة التفسيرية للدستور– «لا يصل إلى الحكومة إلا بإعادة تشكيل الوزارة وفقاً لاتجاهات وعناصر المجلس الجديد»، وبما يتيح لأمير البلاد أن «يراعي عند إعادة تشكيل الوزارة في هذا الحالة الأوضاع الجديدة في المجلس النيابي وما قد يقتضيه الصالح العام من تعديل في تشكيل الوزارة أو تغيير في توزيع المناصب الوزارية بين أعضائها».ومن ثم يكون تعيين وزير محلل خلال الفترة القصيرة التي تسبق إعادة تشكيل الوزارة، والتي تجري فيها الانتخابات لمجلس جديد، من بين نواب المجلس السابقين الذين قرروا عدم خوض هذه الانتخابات، والذي قد يصاحبه غالباً وعد بإعادة اختياره عند إعادة التشكيل الوزاري، ينطوي على مصادرة على الجديد من رأي الأمة الذي سوف تفرزه نتائج الانتخابات، والتي كان قرار الوزير بعدم خوضها في أغلب الظن امتثالاً لرأي الأمة، وهو رأي الأمة الذي استشعره من خلال لقائه بالناخبين في ديوانياتهم وفي تجمعاتهم المختلفة ومن خلال اتصالاته بمفاتيحهم، بحيث كون قناعة بأنه لم يعد قادراً على كسب ثقتهم مرة أخرى.بل قد يكون في إعادة اختيار الوزير المحلل في التشكيل الوزاري الجديد ما يؤكد هذا الظن، لأنه لو كان واثقاً من الفوز بثقة الناخبين، لخاض الانتخابات ليفوز بها، وليكون اختياره في التشكيل الوزاري من بين أعضاء المجلس الجديد.الاستهداء بنص المادة (84) تقضي الفقرة الثانية من المادة (84) من الدستور بأنه في حالة خلو محل أحد أعضاء مجلس الأمة في خلال ستة الأشهر السابقة على انتهاء الفصل التشريعي للمجلس لا يجري انتخاب عضو بديل، استشعاراً من المشرع الدستوري بقصر مدة ستة الأشهر المتبقية من مدة الفصل التشريعي، بما قد لا يتاح مع قصر هذه المدة للعضو البديل استخدام صلاحياته الدستورية خلالها من تشريع ورقابة برلمانية، ولعزوف كثير ممن لديهم الرغبة في الترشيح لعضوية المجلس عن مثل هذا الأمر إذا لم تكن المدة المتبقية من المجلس تستأهل ما سوف يتكبدونه من مشاق الحملة الانتخابية، بل عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات بالنسبة إلى هذه المدة القصيرة.وهي اعتبارات تنطبق من باب أولى على تعيين وزير من النواب السابقين مدة لا تجاوز شهرين، لا يتاح له فيها مشاركة في وضع سياسة عامة في وزارته أو تنفيذها ومتابعة هذا التنفيذ.الحكومة قائمة دستوريا من دون وزير محلل إنه من المسلم به أنه ينبغي عند تفسير نصوص الدستور النظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن نصوصه الأخرى أو بعيداً عن مقاصد المشرع الدستوري منها، بل يجب أن يكون تفسير كل نص متسانداً مع غيره من النصوص بما يقيم التوافق بينها وينأى بها عن التعارض، وفي ضوء مقاصد المشرع الدستوري منها، وقد جاء الدستور الكويتي ليعالج في عمومياته أوضاعاً مختلفة تجلت فيها عبقرية واضعيه وبعد نظرهم واستقرائهم المستقبل، ولم يكن لتفوتهم استحالة توزير أحد نواب مجلس الأمة السابق خلال الفترة التي تجري فيها الانتخابات للمجلس الجديد في حالة ترشّح كل أعضائه للانتخابات القادمة، فيقوم لديهم جميعاً المانع القانوني من تقلدهم المنصب الوزاري خلال هذه الفترة، وهو فرض لا يمكن استبعاده، ولا نعتقد أن الرأي القائل بعدم دستورية حكومة لا تضم خلال هذه الفترة أحد النواب يستطيع أن يقدم حلاً لهذه المعضلة، أو حلاً لمعضلة أخرى إذا كان النواب الذين لن يخوضوا المعركة الانتخابية قد اعتزلوا العمل السياسي، وأنهم يأبون قبول المنصب الوزاري، خصوصا أن تشكيل وزارة جديدة هو أمر حتمي بعد الانتخابات القادمة، الأمر الذي يعزز بل يؤكد أن الحكومة هي حكومة دستورية وما تصدره من مراسيم وقرارات تصادف صحيح أحكام الدستور والقانون، في غياب ما يسمى "بالوزير المحلل".