شمعة أولى والثورة السورية تزداد احتراقاً، وكلما توهجت ازدادت نوراً وضياء، ليل الثورة طال وخيوط الفجر الأولى تأخرت على غير عادتها في هكذا مناخ، وكأن الأرض آثرت إبطاء دورانها لكي تفرح السماء بقوافل الشهداء وتزف الذين ينسلون إليها تباعاً وعلى مدار الساعة من أرض الشام، وقد تخضبت أكفانهم بدماء الحق والحرية.

Ad

لكن الخيوط ستلوح في الأفق انسجاماً مع حركة الأرض والتاريخ، ولن يؤخرها "طغيان البعث" ولا "أذرع التتار" ولا "أحقاد نيرون"، ويمكنهم أن يحرقوا مدناً ويدمروها على سكانها، ويمكنهم ذبح الأطفال واغتصاب العذارى، لكنهم لن يقتلوا وطناً قرر العيش حراً، ولن يؤخروا الفجر لحتمية النهار، ومهما تغولوا في الظلام فالصبح آت بنسمات الحرية وقطرات الندى. القنوط أحد تجليات الضعف والخوف، والشعوب التي قهرت ضعفها وتخلصت من الانكفاء والتردد وآثرت دفع الثمن استطاعت مبدئياً العبور إلى ضفة الحياة الكريمة، والربيع العربي شاهد على ذلك.

الحالة السورية المتأخرة الحسم التي قدمت من الشهداء ما لم تقدمه الأمة مجتمعة في ثورات الحرية، لها خصوصية عما سواها من ناحية التركيبة السلطوية والسكانية، بل في نوعية الاستبداد، حيث الاستبداد الطائفي، وهو من أخطر الاستبدادات في التصنيف لانتمائه الأول والحصري إلى الطائفة على حساب الوطن إضافة إلى اعتماده على الخارج في توطيد سلطانه خصوصاً من دول من ذات النهج (كإيران في الحالة السورية)، فعندها تكون الخطورة مضاعفة، وهذا ما يسهم في تأخير الحسم إذا ما أخذنا في الاعتبار تقاعس المجتمع الدولي إزاء الثورة، فعندها تكتمل أركان "تأخير الحسم" ويبقى النزف وصراع البقاء هو المشهد والعنوان مع ازدياد التدفق والجريان مع كل صباح. العجز أفرز الرؤى والمبادرات الخالية الدسم التي تفتقر إلى الجدية والحساب والعقاب، وكل ما هو مطروح الآن لا يجرّم القاتل بل يعتبره جزءاً من الحل بمعنى المساواة إلى حد ما بين الجلاد والضحية، وهذا أقصى ما قدمه المجتمع الدولي حتى الآن. وهو يعرف مسبقاً أن رفضها من المعارضة وبكل أطيافها هو أقرب من قبولها، وخطورة هذا العجز الاتجاه للعسكرة، التي بدأت فعلياً للدفاع عن النفس والتي ستمتد حتماً على كل الأراضي السورية وبعدها سنتجه حتماً إلى حرب طائفية قذرة إقليمية الطابع والاتجاه لن ينجو منها أحد إذا لم يتم تدارك الموقف واللجوء إلى إخماد آلة القتل طوعاً أو كرهاً.

في كل آذار (مارس) يزدهر الربيع بزهوره وخضرته وفراشاته، إلا آذار السوريين فلا يعرف قط الاخضرار ولا الألوان ولا حتى الربيع منذ اغتصاب "البعث" للسلطة في 8 "آذار" 1963، فالبراعم كانت تسقط قبل التفتيح والأوراق لا تموت إلا وهي مخضرة، والمرعى لا يعرف "اليخضور"... فقط وحدها سنابل القمح تشمخ بالحقول، ومشيئة القدر أن تكون ثورة الحرية في هذا الشهر لنتعرف على الربيع من جديد، ربما تمحو الأيام ذكرى أسوأ نظام في المنطقه استمد شرعيته من فنون القتل وغرف الإعدام.