ليتني أفهم الهدف من وراء قيام السلطة بإشغال المجتمع بملاحقة المغردين الذين يبدو أن مسلسلاً جديداً من الملاحقات قد بدأ مع إنها حالة مكررة، تبدأ بشخص أو شخصين ربما لترويع الآخرين وربما لإثبات الذات وربما لحل قضايا عالقة هنا أو هناك.

Ad

قد يقال على الـ"تويتر" الكثير مما هو مستهجن ومما هو غير مقبول، ولكن أن تقحم السلطة ذاتها عن طريق إقحام الذات الأميرية فهي في حقيقة الأمر صارت تستسهل الإساءة للذات الأميرية بقصد أو بدون قصد.

فماذا يعني هذا حسب منطق الذين قاموا ببث هذا الزعم وهذا الادعاء؟ فلو افترضنا أن هناك زيادة كبيرة ممن يتعرضون للذات الأميرية، فإن الجهات التي زعمت وجود تلك الزيادة إنما في واقع أمرها قد أساءت للذات الأميرية وضخمت من حجم ادعاءات ومزاعم في الغالب لا أساس لها. بينما لو كانت قد ركزت بعض الشيء لاكتشفت أن هناك مشكلاً سياسياً حقيقياً عليها التعامل معه لا الهروب إلى الأمام والوقوع في مطبات ومسالك أكثر وعورة. إنهم في حقيقة الأمر يوهمون الناس بأن هناك حقاً تزايداً في التعرض للذات الأميرية، وهي مسألة من الواجب محاسبة من بثها وفكر فيها والذي أراد حلاً لمشكلته السياسية عن طريق خلق مشكلة أكثر تعقيداً.

حرية التعبير هي الشماعة التي يعلق المحتارون والتائهون عليها مشاكلهم وضياعهم. وعادة ما تكون هي الضحية الأسهل. وهي شناعة لا يقتصر استخدامها على السلطة والحكومة أو حتى جهازها الأمني فحسب، ولكن ينسحب حتى على بعض من يصنف نفسه على المعارضة. فالحرية لديهم انتقائية وليست مطلقة، ولعل تلك الانتقائية في اختيار نوع وشكل ولون من ندافع عنه هي التي تضعف من منطق الحرية وهي التي تجعل من بعض الذين يزعمون دفاعهم عن الحريات يكونون في نفس الخندق وذات المنطق التسلطي الذي تقوم به الحكومة وأجهزتها.

الحرية لا تتجزأ ولا تنتقى، ومن يرد الدفاع عنها فعليه أن يدافع عنها بشكل مطلق.

مرة أخرى، وهذا ليس استدراكاً، ما يدور في أروقة التغريدات والـ"تويتر" هو بالضرورة فضاء خارج سيطرة السلطة، ويقال فيه ما قد نحب وما قد نكره، وعلينا، أن نتعلم قبول ذلك الكم من التحولات في فضاءات المتغيرات في أساليب وأنماط حرية التعبير، وعدم التعامل مع تلك المتغيرات بنفس المنطق القديم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

إن مجرد التفكير في حل حالة العجز السياسي الذي تعانيه السلطة عن طريق الحلول الأمنية لن يؤدي إلا إلى مزيد من العجز ومزيد من التدهور، كما أن التعامل مع الحريات بهذا المنطق لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية ولا حول ولا قوة إلا بالله.