طشّار الويكيليكس!

نشر في 13-09-2011
آخر تحديث 13-09-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. حسن عبدالله جوهر مشكلتنا الحقيقية تكمن بين ظهرانينا وإخفاقنا في تحقيق دولة القانون والمؤسسات، وإقرار الحقوق والواجبات العامة وفق مسطرة المساواة والعدالة على مدى نصف قرن من الزمان، ورعاية أجواء التشتت والتخندق الضيق بكل أشكاله وأنواعه، والتي باتت تهدد كياننا العام وسط انعدام الثقة بين الكثير من فئات الشعب.

لن نتفاجأ بمزيد من التسريبات المثيرة لبرقيات ومراسلات السفارة الأميركية التي يروج لها "الويكيليكس" بشأن تصريحات وأفكار ومواقف العديد من الشخصيات الكويتية التي شملت القوى السياسية والوزراء والنواب والأكاديميين، وفي الوقت نفسه نتوقع المزيد من النفي والانتقاد والتبرؤ من قبل الذين نسبت إليهم هذه التسريبات وبعصبية مفرطة أحياناً.

وبغض النظر عن دقة وقائع الوثائق الأميركية أو شرعيتها القانونية كمصادر معلوماتية مؤكدة، ومع بقاء احتمال البعد الاستخباراتي للدبلوماسية الأميركية عموماً إلا أن هذه البرقيات ليست سوى نتاج مقابلات مباشرة بين أركان السفارة الأميركية؛ بدءاً بالسفير وانتهاء بالمسؤول السياسي، وبالتالي لم تأت من فراغ ولا يمكن اعتبارها مجرد تلفيقات اختار لها الأميركيون مجموعة محددة وبالاسم من السياسيين الكويتيين.

ويجب ألا يتكبد الكثير ممن نسبت إليهم مواقف سياسية وآراء قد تكون مثيرة عناء النفي والتكذيب لسببين: الأول أن المراسلات الأميركية حديثة جداً، ولا يتجاوز عمرها سنتين أو ثلاث سنوات على أبعد تقدير، وليست على غرار الوثائق البريطانية التي تنشر بعد ثلاثين وخمسين سنة، أي بعد حدوث تغييرات سياسية جذرية وموت معظم أبطالها، وتنتفي بذلك الحاجة إلى التعامل المباشر معها.

والسبب الآخر يعود إلى الأجواء السياسية العامة التي تشهدها الكويت منذ عدة سنوات، حيث التعبئة المنظمة طائفياً وقبلياً وفئوياً، وحيث الفوضى العارمة التي عصفت بالعديد من القوى السياسية والشخصيات العامة، وبرزت الكثير من المواقف المعلنة سواء داخل المجلس أو من خلال الحراك الشعبي في الشارع الكويتي أو عبر المقالات الصحفية أو التصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت للشخصيات "الويكيليكسية" الكويتية التي تؤكد وتتمم ما سبق أن نقل عنهم في الوثائق الأميركية المسربة!

وثمة بُعد آخر خطير يمكن ملاحظته وبقوة، وهو أن التصريحات التي يتم نفيها، وخاصة المرتبطة بالاحتقان الطائفي والقبلي، وبمجرد أن تتداول على صفحات الـ"فيس بوك" و"التويتر" أو الشبكات الإخبارية فإنها تلقى صدى كبيراً من قبل المنتمين فكرياً وأيديولوجياً وسياسياً للشخصيات المنسوبة إليها تلك التصريحات، وتلقى دعماً وترحيباً وتشجيعاً قوياً في مقابل النقد والاستهجان والرفض من قبل الأطراف الأخرى، فلماذا إذن النفي والتكذيب؟!

إن مشكلتنا لا تكمن في تسريبات "الويكيليكس" أو "الطشار السياسي" الذي يمكن أن يسببه على مستوى الحالة العامة في هذا المجتمع، أو مجرد اتهام الحكومة الأميركية وسفاراتها بربط "العصائص"، وهي تمارس هذا النوع من الدبلوماسية القبيحة بالتأكيد، ولكن مشكلتنا الحقيقية تكمن بين ظهرانينا وإخفاقنا في تحقيق دولة القانون والمؤسسات، وإقرار الحقوق والواجبات العامة وفق مسطرة المساواة والعدالة على مدى نصف قرن من الزمان، ورعاية أجواء التشتت والتخندق الضيق بكل أشكاله وأنواعه، والتي باتت تهدد كياننا العام وسط انعدام الثقة بين الكثير من فئات الشعب، وهذا ما تجب معالجته من الجذور وليس مجرد الانتقام من "الويكيليكس" المسكين!

back to top