اقتصاد السلام في أفغانستان

نشر في 16-09-2011
آخر تحديث 16-09-2011 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن تزايد وتيرة التفجيرات الانتحارية، وعمليات اغتيال كبار القاعدة الأفغان، والهجمات الوحشية على شاريكار وغيرها من الأماكن القريبة من كابول عاصمة أفغانستان، والزيادة السريعة في الوفيات بين المدنيين بسبب الهجمات التي تشنها طائرات بلا طيارين، كل هذا يهدد عملية انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلنطي من البلاد، فقد بات العنف منتشراً إلى الحد الذي جعل أحمد رشيد، الخبير الشهير في شؤون حركة طالبان، يخلص إلى أن الإسراع في عملية السلام من خلال الحوار مع المتمردين هو الخيار الوحيد.

إن النشاط الاقتصادي الذي يتعين على أفغانستان التي تنعم بالسلام أن تزاوله لابد أن يشكل جزءاً أساسياً من أي مفاوضات، ولكن ماذا يستلزم اقتصاد السلام على وجه التحديد، ولماذا يشكل هذا القدر من الأهمية؟

لابد أن يكون أحد الأهداف الرئيسة في هذا السياق تحويل اقتصاد أفغانستان السري الهائل الحجم، والذي ازدهر على الرغم من الأعداد الهائلة الموجودة على أرض أفغانستان من قوات حلف شمال الأطلنطي، من خلال خلق فرص مربحة لطالبان وغيرها من الجماعات المشاركة في القتال، والواقع أن دمج هؤلاء المقاتلين في الاقتصاد المنتج سوف يتطلب تغييراً في السياسات، بما في ذلك إعادة التنشيط السريع لمشاريع التنمية الريفية وتعزيز روح المبادرة التجارية المحلية، والأشغال العامة، وغير ذلك من الأنشطة القانونية.

ويتعين على الولايات المتحدة بصورة خاصة، جنباً إلى جنب مع الجهات المانحة والبلدان المساهمة في قوات حلف شمال الأطلسي، أن تضع نصب عينيها "عشر وصايا" أثناء وبعد المفاوضات.

فأولا، لابد من تطبيق القول المأثور الذي جاء على لسان "تي. إي. لورانس" (لورانس العرب): "من الأفضل أن تتركهم يقومون بالعمل بأنفسهم، على أن تحاول أن تقوم به أنت من أجلهم على نحو أفضل". وعلى هذا فلابد من ترك المفاوضين الوطنيين والزعماء المحليين يقررون بأنفسهم احتياجاتهم وأولوياتهم الاقتصادية، والسماح للمتمردين باتخاذ القرار بشأن المجال المفضل لديهم للاندماج في المجتمع، وما لم يتم تمكين المشاركين والسماح لهم بالتملك فإن البرامج لن تكون مستدامة، وسوف تذهب الموارد سُدى، ولن يدوم السلام.

ثانيا، ضمان دمج العوامل الاقتصادية في الأجندة السياسية والأمنية، وليس تنسيقها فحسب، وسوف يستلزم هذا استخدام برامج إعادة الإدماج وغيرها من البرامج الاقتصادية بمنزلة جزرة بهدف دعم المفاوضات، وأيضاً دعم السلام والاستقرار في الأمد البعيد.

ثالثا، لابد من دعم اتفاق سلام مصمم وفقاً لقدرة البلاد على المستويين المالي والتقني اللازمة لتنفيذه، وهذا يتطلب وضع توقعات معقولة لعائدات الضرائب المحلية والمساعدات، فضلاً عن المزيج المناسب من الخبرة الأجنبية لدعم العملية. مع ضرورة الحرص على تجنب التوقعات المتفائلة التي قد تؤدي إلى خطط غير قابلة للتطبيق وتوقعات غير معقولة تعجز الحكومة عن تحقيقها، كما حدث في غواتيمالا على سبيل المثال عندما انتهت الحرب الأهلية هناك.

رابعا، ضرورة توجيه المساعدات عبر ميزانية الحكومة المركزية، أو من خلال السلطات المحلية، حتى يتسنى للمسؤولين اكتساب الشرعية اللازمة لتقديم الخدمات وتشييد البنية الأساسية، وتوفير إعانات الدعم وبرامج دعم الأسعار لاستبدال الخشخاش بمحاصيل مشروعة مثل القطن، والذي كان الأفغان ينتجونه في الماضي.

خامسا، ضمان سرعة انتقال مثل هذه المساعدات من الأغراض الإنسانية القصيرة الأمد- لإنقاذ الأرواح وإطعام هؤلاء الذين يتخلون عن الحرب- إلى أنشطة إعادة البناء الرامية على خلق الاستثمارات، ونمو الإنتاجية، وتوفير فرص العمل المستدامة الكفيلة بتمكين الناس من الحياة الكريمة، ومن الأهمية بمكان في هذا السياق تجنب الفشل- كالذي حدث في هاييتي في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضربها- في الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية.

سادسا، وضع برامج جيدة التخطيط والتنسيق لإدارة عمليات التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج، والتي تشكل شرطاً لا غنى عنه لترسيخ الانتقال من الحرب إلى السلام.

وفي هذا الإطار، لابد أن نتذكر أن معضلة "الغموض في مقابل التحديد" تنطبق أيضاً على القضايا الاقتصادية، فبسبب الإفراط في التحديد فيما يتصل ببعض المتغيرات والإفراط في الغموض فيما يتصل بالآخرين، تطلب الأمر إعادة التفاوض على اتفاق الأسلحة في مقابل الأرض في السلفادور حتى يصبح قابلاً للتنفيذ.

سابعا، وضع برامج مختلفة للمستويات العليا من القيادات، وتوفير المزيد من التوجيه، والتدريب، والائتمان، والمساعدات الفنية. ولقد اعترفت الأمم المتحدة بالخروج بنتائج أفضل من "الخطة 600" في السلفادور مقارنة بالبرامج المخصصة للمقاتلين الأدنى مرتبة، الذين افتقروا إلى مثل هذا الدعم.

ثامنا، زيادة الدعم المقدم للمنظمات غير الحكومية التي تتمتع بسجل ناجح في خلق المشاريع في مجال التنمية الريفية، أو نسج السجاد، أو تصميم المجوهرات، أو أي نشاط آخر يرغب الأفغان في تنميته. وتُعَد السياسات النشطة اللازمة لتعزيز المشاريع المبتدئة وتوسعة الشركات المحلية من خلال الائتمان والتدريب وتوفير الدعم الفني شرطاً أساسيا.

تاسعا، إنشاء مناطق إعادة بناء الاقتصاد بهدف إطلاق النشاط الاقتصادي المستدام، وخلق فرص العمل وعائدات التصدير، وتحسين فعالية المساعدات والمساءلة فيما يتصل بإدارتها، وتجنب الاعتماد على المعونات، ومن الممكن أن تجمع هذه المناطق بين التنمية الريفية المتكاملة للاستهلاك المحلي، والصناعات التي تحتاج إلى عمالة مكثفة والشركات الزراعية للتصدير، ويتعين على الولايات المتحدة وغيرها من الدول أن تفتح أسواقها للسلع المنتجة في هذه المناطق.

وأخيرا، ضمان تغليب الأهداف السياسية وهدف السلام في كل الأوقات، حتى لو كان ذلك سبباً في تأخير الاستقرار الاقتصادي والتنمية، وهذا يعني عادة تقبل حقيقة مفادها أن تطبيق السياسات الاقتصادية المثلى في ظل أفضل الممارسات أمر لا يمكن بلوغه، بل قد لا يكون مرغوباً أيضا. ذلك أن استقلال البنك المركزي وتفعيل قاعدة "عدم السحب على المكشوف" فيما يتصل بتمويل الميزانية، سوف يثبت على نحو شبه مؤكد أنه مقيد إلى الحد الذي يجعل البلاد عاجزة عن تنفيذ أنشطة دعم السلام التي تشكل أهمية بالغة في أفغانستان.

وفيما يتصل بحسم الحرب في أفغانستان، فلابد أن تسعى الحكومة والجهات المانحة إلى تجنب ذلك النمط من الوعود غير المنفذة التي كانت سبباً في إفساد عملية إعادة بناء البلاد في الماضي، وآنذاك فقط سوف تصبح أفغانستان قادرة على الخروج من الحلقة المفرغة التي ظلت تدور فيها لعشرات الأعوام من العنف، وانعدام الأمن، والفساد، والبطالة، والاتجار بالمخدرات، والاعتماد على المعونات.

غراتسيانا ديل كاستيلو

* مؤلفة كتاب «إعادة بناء الدول التي مزقتها الحروب»، وكبيرة باحثين سابقاً في جامعة كولومبيا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top