نحن مقدمون على الانتخابات النيابية رقم ١٤ في تاريخ الكويت الدستورية. الرقم بحد ذاته يدل على مشكلة مكررة، فهو دلالة على عمق الأزمة واستفحالها، فالانتخابات قد تم تزويرها تزويراً مباشراً سنة ١٩٦٧، كما تم حل المجلس حلاً غير دستوري مرتين عامي ١٩٧٦ و١٩٨٦ وحله دستورياً خمس مرات منذ انتخابات ١٩٩٦، بل إن المجلس قد تم حله ٤ مرات خلال السنوات الخمس الماضية، فضلاً عن استقالات الحكومة المتكررة... وهذا يعني بالعربي الفصيح أننا قد فشلنا في تحويل الأدوات الديمقراطية إلى إنجازات. وللأسف فإن الجميع مشترك في هذا الفشل. بالطبع تتحمل الحكومة والحكم الوزر الأكبر فصراع الحكم مع الدولة الدستورية كان هو المشكل الأكبر ومع ذلك فإن قمنا بجردة تفصيلية ستكتشف أن الفشل هو حالة عامة. الانتخابات القادمة لن تكون إلا إعادة إنتاج للفشل، ولن يفيدها للتحول إلى فعل إصلاحي حقيقي على الأرض القول إنها تاريخية، كما لن يجعلها أقدر على التحرك إن تساقط عدد من النواب "الموالين" مبكراً ذات اليمين وذات اليسار. ومازالت قوى سياسية، كما يحلو لنا تسميتها، تفرح بالجزئيات وكأنها قد ولدت يوم أمس، فالانتخابات حتى اللحظة مازالت تتم على أسس فردية وقبلية وطائفية، ومازالت بعض القوى السياسية الدينية تفرح لنجاح أحد كوادرها في انتخابات فرعية قبلية لتلبس قبعتين أو عقالين في آن واحد، لا فرق. ومازال المال السياسي يلعب ذات الدور وبذات التفاصيل. ومازال البعض يتعامل بذات السطحية مع الانتخابات، فيعلن أنه سيقوم بكذا وسيفعل كذا، وحالما تطوى أركان خيمته الانتخابية تتبخر تلك "السوفيات" كما الريح في الأفق، بل إن البعض مازال يمارس ذات اللعبة القديمة بأنه سيلزم المرشحين بالتوقيع على الالتزام بتنفيذ هذا الموضوع أو ذاك، وهو يعلم جيداً أن ذلك التوقيع لا يساوي حتى قيمة الحبر الذي كتب به. إنها حفلة زار مكررة أو ربما مشهد من فيلم "إنهم يقتلون الجياد... أليس كذلك؟". لا أظن أنه كان هناك زخم إصلاحي وإحساس بإمكانية التغيير الحقيقي، مثلما كانت عليه الحال في انتخابات ١٩٩٢، أي بعد التحرير، وهذه الانتخابات أقل بكثير في حماسها من تلك. فإن لم يتحول الحراك الشعبي السابق للانتخابات إلى وعي متنام يقوم النواب قبل الحكومة ويحاسب السلطة التشريعية كما يحاسب السلطة التنفيذية فإن انتخاباتنا الرابعة عشرة لن تكون إلا نسخة أخرى، نفرح فيها لسقوط فلان أو نجاح فلان، وتقام الولائم وتدق الطبول وتنتهي الحفلة. نحن بحاجة إلى وقفة جادة بعيدة عن المزايدات والادعاء باحتكار الحقيقة لهذه الجماعة أو هذه الفئة أو ذاك الفرد. ولو كان لي أن أسدي النصيحة، لنصحت بأن يقوم المجلس القادم بتركيز اهتمامه على حال البلد المتدهور والحالة المهلهلة التي يعيشها المجلس والحكومة. ستكون مبادرة جديدة للمجلس لعلها تنفع، فالانتخابات قادمة وهو موسم للضجيج فلا أحد يسمع أحداً.
Ad