بعد قراءتي لإعلان الاعتذار الذي نشره «التايكون» روبرت مردوخ، إمبراطور الإعلام، والذي عممه على غالبية الصحف البريطانية تقريباً حتى تلك الصحف المنافسة له مثل الغارديان، أدركت أننا حقاً أمام معضلة أخلاقية بحاجة إلى تأمل، وهي حرية التعبير لإعلام لاأخلاقي.

Ad

فقد قامت جريدة «نيوز أوف ذا وورلد» بالتنصت والتجسس على أناس عاديين وضحايا جرائم عادية، ودفع رشى إلى ضباط شرطة في سبيل الحصول على معلومات خاصة للنشر.

أزمة الإعلام الفاسد أخذت تطيح برؤوس كبيرة في الوسط السياسي والأمني والإعلامي البريطاني، وطالت حتى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون. فقد استقال السير بول ستيفنسون رئيس شرطة العاصمة البريطانية ولحقه نائبه، كما حدثت حالة انتحار في الطريق، وإلقاء قبض على ريبيكا بروكس أعلى مسؤولة في شركة «نيوز إنترناشيونال» التي تملك صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» التي أغلقت بالإضافة إلى صحف الصن والتايمز والصنداي تايمز. كذلك يملك روبرت مردوخ شبكة «سكاي» وكان على وشك أن يستكمل السيطرة على شبكة «بي سكاي بي» لاستكمال احتكاره وهيمنته على الإعلام البريطاني. وهي صفقة لن تتم كما يبدو استجابة لحالة الهلع التي أصابت الوسط السياسي في بريطانيا. بل إن الأزمة هي ببساطة في هيمنة الأساليب الفاسدة في الإعلام، وبالتالي تحول الإعلام الفاسد إلى محطة ابتزاز ورشى، وكذلك في تأثيرها على القرار السياسي. وهي مرة أخرى معضلة أخلاقية تعيد مجدداً طرح السؤال القديم الجديد، حول حدود حرية الإعلام، وأخلاقياته، وضوابطه، دون تقييد حرية التعبير.

ولا يبدو أن المسألة ستتوقف عند حدود بريطانيا، فإمبراطورية مردوخ تهيمن على شريحة كبيرة في الإعلام الأميركي من خلال صحف وشبكات تلفزيونية، على رأسها شبكة فوكس التي يكفي لمن يطالعها فترة قصيرة إدراك التطرف اليميني الذي تقوده، فتحولت من صانعة وناقلة أخبار إلى فاعل سياسي مباشر. فبحسب القوانين الأميركية، وحيث إن شركة نيوز كوربوريشن هي شركة أميركية وهي المالكة لشركة نيوز إنترناشيونال البريطانية المتهمة بالرشوة، فإن الأصوات في أميركا بدأت تتعالى بضرورة المساءلة القانونية لإمبراطورية مردوخ الإعلامية.

هل ينتهي الأمر عند هذا الحد؟ من المتوقع أن تستمر تداعيات المتابعة إلى أقصى حد، وهي مسألة قديمة جديدة، لسؤال محوري، وهو ما هي المساحة المسموح بها للإعلام في التدخل بحياة الناس والتأثير المقصود الممنهج على المجتمع؟ وكيف بالإمكان التعامل مع الإعلام الفاسد حقاً وليس ظناً؟ وكيف بالإمكان التعامل بجدية مع إعلام يدمر المجتمع، وفي نفس الوقت عدم التضييق على حرية التعبير؟

حتى هذه اللحظة، قطع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون جولة إفريقية، وتمت دعوة نادرة لقطع البرلمان إجازته لعقد جلسات لبحث الفضيحة، ومازالت المسألة تتصاعد، ولا يبدو أنها ستنتهي دون رؤوس كبيرة. ولربما كانت الديمقراطية تصحح مساراتها.

ويبقى السؤال هنا: هل لدينا في إطار الزحمة الإعلامية القائمة حالات فساد إعلامي؟ وكيف يا ترى، إذا اكتشف شيء من هذا القبيل ناهيك عن ملكية مسؤولين لوسائل إعلام، سيكون تصرف المجتمع السياسي؟ وهل سيتم التعامل معها على أنها مشكلة بالأساس؟ أسئلة من غير المعروف إن كانت لها إجابات أم لا.... ولا حول ولا قوة إلا بالله.