المرأة تحت حكم الإسلاميين

نشر في 02-01-2012
آخر تحديث 02-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. عبدالحميد الأنصاري أعظم الخلائق الإنسان، لكن ألطف خلق الله هو المرأة، نحن الذكور قساة مشعلو حروب، أما المرأة فهي ذلك المخلوق المشرق الرائع، الذي يشع جمالاً ورقّة ونعومة وأنوثة وسحراً ودلالاً، صوتها موسيقى، وحركاتها سحر وفتنتها طاغية وحضورها يؤنس ويدفع الرحمة في المجتمع؛ لذا اعتبر القرآن أن الزواج هو الذي يحول البشر إلى كائنات إنسانية بالرحمة والمودة والسكينة، المرأة هي أم الحضارة، ولولاها لما انبعثت الحضارة، لكن الرجل هو من تولى القيادة فأصبح المجتمع أحول أعرج. هذه الكلمات لست أنا صاحبها، وإنما صاحبها داعية اللاعنف المفكر الرائع خالص جلبي الذي يضيف: بأن أعظم انعطاف في تاريخ المجتمع البشري هو المرأة، لأنه في الوقت الذي كان الرجل يطارد الفرائس، كانت المرأة تجلس لرعاية الصغار، فاكتشفت آلية عمل النبات، وبذلك شقت الطريق إلى الثورة الزراعية.

كانت هذه مقدمة ضرورية للحديث بأنه لا مشكلة للمرأة مع الإسلام، لا قرآناً ولا سنة، لكن مشكلتها مع الإسلاميين، وبالتحديد مع بعض الإسلاميين الذين يؤمنون بأعلوية الرجل على المرأة من منطلق ديني تمسكاً بأفهام واجتهادات تمت في سياقات زمنية معينة لم تكن المرأة فيها شيئاً مذكوراً. يتجدد الحديث عن وضعية المرأة في مجتمعات ثورات الربيع العربي التي أوصلت الإسلاميين إلى السلطة، وتتجدد مخاوف النساء من التهميش والعزلة، إذ لا يوجد حتى الآن وطبقاً للكاتب عادل درويش "نموذج واحد لتيار إسلامي حكم ولم يدمر الاقتصاد، ويتدخل في حريات الأفراد وفي ملابسهم، وفيما يأكلون وفي أسلوب حياتهم، وفي الفنون والآثار والتعليم، وحوّل الأقليات الدينية المذهبية إلى المواطنين من الدرجة الثانية، وعمل على تعطيل القدرات الإنتاجية والإبداعية لنصف المجتمع".هناك مخاوف حقيقية على وضعية المرأة في المجتمع وانكماش دورها، كيثرون يرون أن النساء العربيات في ظل حكم الإسلاميين ستصبح حالهن كحال نساء إيران تحت حكم الثورة الإسلامية في إيران، المناصب القيادية، الوزارة، النيابة، القضاء، عضوية البرلمان ستكون خطاً أحمر أمام النساء استناداً لحديث "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة وبحجة أن المرأة عاطفية لا تحسن التصرف في هذه المناصب الكبيرة، سيعمل الإسلاميون على تغيير المناهج الدراسية والتحكم بالمفاصل الثقافية في المجتمع بهدف تدجين النساء وإرغامهن على قبول الوضع التمييزي تحت مبررات دينية، وستفسر النصوص الدينية بما يخدم التوجه الأيديولوجي العام للإسلاميين تجاه المرأة، أما المساواة التي كفلتها الدساتير العربية فسيتم تعديها أو تفسيرها لمصلحة أفضلية الرجل وهيمنته. أما قوانين الأسرة وبخاصة تلك المواد التي تضع قيوداً على التعدد أو تمنع التعدد كتونس، فستلغى، وزواج القاصرات سيكون مشروعاً، وسيقنن الضرب أسلوباً في تأديب الناشز، وبخاصة أن بعض النساء لديهن قابلية لذلك، أما اختلاط الجنسين في ميادين العمل والتعليم فسيعاد النظر فيه بهدف وضع حواجز بين الجنسين منعاً للفتنة والانحراف، وسيفرض الحجاب ويشجع النقاب وإطلاق اللحى بما يذكرنا بحملة المليون لحية في مصر.

ولن تصل المرأة إلى البرلمان في ظل الإسلاميين إلا بسلطان، وستخرج مظاهرات نسائية تحمل شعار "النساء ناقصات عقل ودين" ضد من يتظاهر مطالباً بحقوقهن وبالمساواة، ومجلس الدولة المصري الذي صوّت بالأغلبية ضد تعيين المرأة قاضية سيتمسك بموقفه ولن تعين قاضية جديدة في مصر.

وحتى ديّة المرأة سترتفع أصوات كثيرة بتعديلها إلى النصف! وسيعود حديث ختان المرأة بشكل أقوى طبقاً لقول أحد المشايخ الكبار بأن الختان ضرورة لضبط ميزانها الجنسي! أما ضبط النسل أو تنظيمه فلا محل له في ظل الإسلاميين الذين سيعملون على تشجيع التناسل بكل الطرق لأنه المورد الأثمن للجهاد والتضحية ومواجهة إسرائيل والغرب وأميركا. وسيعمل الإسلاميون عبر الهيمنة على مناهج التعليم على تغذية الناشئة منذ نعومة أظافرهم على أن "المساواة بين الجنسين بدعة غربية" مناقضة لثوابت القرآن، وسيعملون على إقناع المرأة نفسها بأنه لا يجوز المطالبة بالمساواة، أما اتفاقية منع التمييز ضد المرأة الدولية، فستكثر تحفظات الإسلاميين عليها بما يفرغها من مضامينها الحقيقية.

والخلاصة أن كل مكتسبات المرأة معرضة للتراجع والانتكاس في بلاد الربيع العربي، والمفارقة أن النساء كان لهن دور بارز في كل الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها بلاد الربيع العربي، وقمن بتضحيات كبيرة وساندن الرجال بكل قوة.

ولا أدل من اليمنية توكل كرمان، الناشطة التي أقامت مسيرات وتجمعات ضد نظام الرئيس صالح، وهي من أبرز وجوه الربيع العربي لسنة 2011، وحصلت على جائزة نوبل بالمشاركة مع آخرين، وهناك الناشطة التونسية لينا بن مهنى، المدونة التي نقلت للعالم ثورة الياسمين، والمدافعة التونسية البارزة عن حقوق الإنسان سهام بن سدرين الحائزة جائزة ابن راشد الـ13، والناشطة المصرية أسماء محفوظ إحدى زعيمات حركة 6 إبريل والحاصلة على جائزة سخاروف 2011.

ولكن هؤلاء الناشطات تم تهميشهن بعد نجاح الثورات ووصول الإسلاميين إلى الحكم، وقد عبرت وزيرة الخارجية الأميركية عن مخاوفها من تهميش الانتخابات المصرية للمرأة، والقضية هنا أنه في ظل الهيمنة الواسعة للإسلاميين فإن الثقافة المجتمعية تكون أميل إلى الانغلاق والتحيز ضد المرأة. وفي هذا المناخ المحافظ لن تتاح للمرأة فرص التنافس المتكافئ مع الرجل في الانتخابات، ومن هنا ضرورة المطالبة بنظام "الكوتا" بنسبة 30% في المناصب و25% في البرلمان طبقاً لما أقرته الأمم المتحدة لتمكين المرأة من ممارسة دورها السياسي في المجتمعات التي تغلب عليها الثقافة الذكورية، ولا يناقض نظام الكوتا قواعد النظام الديمقراطي بل تقتضيه، كما تتطلبه مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص. هناك اليوم تحديات كبيرة تعوق تقدم المرأة العربية، وهناك عوائق كثيرة في طريقها، ومن أبرز هذه التحديات والعوائق ما أفرزته ثورات الربيع العربي من وصول تيارات سياسية إلى السلطة، وهي لا تحمل صورة إيجابية عن دور المرأة السياسي والتنموي.

لقد لعبت المرأة العربية أدواراً بارزة كمدافعة عن حقوق الإنسان وكناشطة من أجل الديمقراطية وكمناضلة ضد الفساد، ومطالبة بالعدالة والكرامة ودفع التضحيات الكبيرة بسبب شجاعتهن وجرأتهن، وتعرضت عائلاتهن للقمع والعنف. ومن حق المرأة العادل أن يكون لها دور متساوٍ في عملية بناء المجتمع الجديد، وبخاصة أن المجتمع الدولي اعترف لها بهذا الحق وقدّرها، فعملية تمكين المرأة من المشاركة السياسية ومن الوصول إلى المناصب القيادية تتطلب تطوراً في الخطاب الديني، وهي مسؤولية مجتمعية تشارك فيها المدرسة والبيت والجامعة والمسجد ومنظمات المجتمع المدني ومنابر الإعلام والحكومة؛ لأن هذا الخطاب يوجه السلوكيات ويصوغ العقل، ويشكل الوجدان ويحدد المفاهيم والتصورات تجاه المرأة. لا بد أن يتطور الخطاب الديني ليحتضن الإنسان لكونه إنساناً بغض النظر عن جنسه ودينه ومذهبه، ويجب تضمين المناهج مقررات تصحح النظرة إلى المرأة وتزيل وهْمَ أعلوية الرجل على المرأة، وتعزز قيم المواطنة المتساوية، كما ينبغي العمل على ضبط الفتاوى المهينة للمرأة وتخليص الخطاب الديني من النزعة الذكورية التسلطية. كما يلزم دراسة التراث دراسة نقدية بهدف تنقيته من النظرة المتحيزة ضد المرأة، وتوضيح أن ذلك لا يمثل نظرة الإسلام إنما نظرة المجتمعات الإسلامية عبر تحولاتها الاجتماعية كما أن النظام الإعلامي يجب أن يلعب دوراً في هذا التصحيح، ويبقي توعية المرأة بحقوقها وإعادة النظر في التشريعات بما يكفل إزالة جميع أشكال التمييز.

* كاتب قطري

back to top