بدر الدين «المشرف العام» على الاعتداء وعيّاش نسّق بين مجموعة الاغتيال... وعنيسي وصبرا «متآمران»
رفعت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان السرية عن بعض أجزاء القرار الاتهامي في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، على أن يتمّ الكشف عن الأجزاء السرية خلال المحاكمة.
أصدر قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرانسين أمس قراراً يطلب فيه إعلان قراره تصديق قرار الإتهام في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، وإعلان قرار الإتهام نفسه.
وفي قراره تصديق قرار الإتهام، رأى فرانسين أنّ "المدّعي العام قد قدّم أدلة كافية بصورة أوليّة للإنتقال إلى مرحلة المحاكمة، غير أنّ ذلك لا يعني أنّ المتهمين مسؤولون، بل يبيّن فقط توافر مواد كافية لمحاكمتهم. وعلى المدّعي العام أن يثبت، في أثناء المحاكمة، أنّ المتهمين مسؤولون بدون أدنى شكّ معقول".
وجاء في القرار: "يرى قاضي الإجراءات التمهيدية أن قرار الاتهام يلبي شرطَيْ التعليل والدقة اللذين يفرضهما الاجتهاد القضائي الدولي، والنظام، والقواعد (قواعد الإجراءات والإثبات)".
وأثبت قاضي الإجراءات التمهيدية أولاً أنّ له الإختصاص للبتّ في قرار الإتهام. وبيّن أيضا أن القانون واجب التطبيق في ما يتعلّق بالتهم المسندة إلى المتهمين، ثمّ بتّ في مسألة ما إذا كان قرار الإتهام يلبي الشروط المطلوبة للمباشرة بالمحاكمات.
وشرح فرانسين أسباب الإبقاء على سرية قرار الاتهام حتى الآن وهي أن "يحافظ (...) على سلامة الإجراءات القضائية، ولا سيما فعالية البحث عن المتهمين واستدعائهم إلى الاستجواب، عند الاقتضاء".
غير أنّ السريّة أُبقيَت على أجزاء صغيرة من قرار التصديق ومن قرار الإتهام، وعلى أجزاء من مرفقيه، نظراً لارتباطها بمسائل يمكن أن تؤثر في تحقيقات المدّعي العام الجارية، وكذلك في خصوصية وأمن المتضرّرين والشهود.
لمحة موجزة
يوجه قرار الاتهام إلى الأشخاص الأربعة الآتية أسماؤهم التهم لمسؤوليتهم الجنائية الفردية في الاعتداء على رفيق الحريري:
• سليم جميل عيّاش.
• مصطفى أمين بدر الدين (المعروف أيضا بالأسماء "سامي عيسى" و"مصطفى يوسف بدر الدين"، و"إلياس فؤاد صعب").
• حسين حسن عنيسي (المعروف أيضاً باسم "حسين حسن عيسى").
• أسد حسن صبرا.
وتؤيد الأدلّة المرفقة بقرار الاتهام (التي تُعرف بالمواد المؤيدة والتي تقع في ما يزيد عن 20000 صفحة) الادعاءات المرتبطة بالوقائع والتهم التالية الواردة فيه.
ويذكر القرار أنه في صباح 14 فبراير 2005، غادر رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، منزله في قصر قريطم في بيروت، لحضور جلسة لمجلس النواب. وكعادته، تنقّل في موكب له، واتخذ أعضاء مجموعة اغتيال مؤلفة من عيّاش وأشخاص آخرين مواقعهم في أماكن عدة يستطيعون منها تعقّب ومراقبة موكب الحريري. وكانوا قد راقبوا الحريري في عدة أيام قبل وقوع الاعتداء تحضيراً له.
وقبل الساعة 11:00 من ذلك اليوم، وصل الحريري إلى مجلس النوّاب. وقبيل الساعة 12:00، غادر الحريري مجلس النوّاب، وذهب إلى مقهى "بلاس دو ليتوال" القريب وبقي فيه 45 دقيقة تقريباً، قبل مغادرته عائداً إلى منزله. وحوالى الساعة 12:49، صعد الحريري إلى سيارته يرافقه النائب باسل فليحان، وانطلق الموكب من ساحة النجمة. وبدأ الحريري وجهازه الأمني رحلة العودة إلى قصر قريطم في موكب مؤلف من ست سيارات، سالكين طريقاً بحرياً مروراً بشارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:52، اتجه فان ميتسوبيشي كانتر ببطء نحو فندق السان جورج الكائن في شارع ميناء الحصن. وقبل مرور الموكب بدقيقتين تقريباً، تحرّك فان الميتسوبيشي إلى موضعه النهائي في شارع ميناء الحصن. وفي الساعة 12:55، عند مرور موكب الحريري مقابل فندق السان جورج، فجّر انتحاري ذكر كمية هائلة من المتفجرات المخبأة في الجزء المخصص للحمولة في فان الميتسوبيشي كانتر، فقُتل الحريري و21 شخصا آخرين وأُصيب 231 شخصا آخر.
وبُعيد الانفجار، أجرى عنيسي وصبرا، وهما يعملان معا، اتّصالات هاتفية بمكتبي وكالة رويترز للأنباء وقناة الجزيرة في بيروت. ثم اتّصل صبرا بقناة الجزيرة مرة أخرى ليعلمها بمكان شريط الفيديو الذي وُضع على شجرة في ساحة الإسكوا في بيروت. وعُثر على الشريط والرسالة المرفقة به. وفي شريط الفيديو الذي بُث فيما بعد على شاشة التلفزيون، أعلن رجل، يدعى أحمد أبو عدس، زوراً أنه الانتحاري الذي نفذ العملية باسم جماعة أصولية وهمية مشيراً إليها باسم "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام".
بيانات الاتصالات
ونتيجة للتحقيقات التي أجريت بعد الاعتداء، جُمعت كمية كبيرة من الأدلة، بما فيها إفادات الشهود، والأدلة الوثائقية، والأدلة الالكترونية (مثل تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات بيانات الاتصالات الهاتفية). وأدّت هذه الأدلة إلى تحديد هوية بعض الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء على الحريري. وعلى سبيل المثال، أظهر تحليل سجلات بيانات الاتصالات وجود عددٍ من شبكات الهواتف الخلوية المترابطة والمتورطة في عملية اغتيال الحريري. وتتكوّن كل شبكة من مجموعة من الهواتف، التي سُجّلت عادةً بأسماء مستعارة، والتي كانت نسبة الاتصال بينها مرتفعة.
الاتهامات
وفي قرار الاتهام، وُجهت إلى المتهمين الأربعة كافة تهمة الاشتراك في مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي (التهمة 1). أما عياش وبدر الدين، فقد اتُهما (التهم من 2 إلى 5) بارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجّرة، وبقتل (الحريري و21 شخصا آخرين) عمدا باستعمال مواد متفجّرة، وبمحاولة قتل (الأشخاص الذين أصيبوا ونجوا) عمدا باستعمال مواد متفجّرة. واتُهم عنيسي وصبرا بالتدخل في جرائم أخرى (التهم من 6 إلى 9). وتُعتبر جميع التهم الواردة في قرار الاتهام جرائم في القانون الجزائي اللبناني.
ويمكن إيجاز دور كلّ واحد من المتهمين في أثناء الاعتداء على النحو التالي: اضطلع بدر الدين بدور المشرف العام على الاعتداء. وتولّى عيّاش تنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ الفعلي للاعتداء. وإضافة إلى كون عنيسي وصبرا متآمرين، فقد أعدّا وسلّما شريط الفيديو الذي أُعلنت فيه المسؤولية زورا، بهدف توجيه التحقيق إلى أشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء، وذلك حمايةً للمتآمرين من الملاحقة القضائية.
وتتوصّل غرفة الدرجة الأولى إلى حكمها بعد النظر في جميع الأدلة في أثناء المحاكمة.