آن للمرأة أن تمد رجليها
يقول البعض إنهم ضجروا من كثرة الحديث عن موضوع قيادة المرأة للسيارة في السعودية، وأريد أن أقول إننا كلنا ضجرنا، ولكن الضجر ليس سبباً يجعل الناس يتوقفون عن المطالبة بحقوقهم، وما معاندة منح حق بسيط مثل قيادة المرأة للسيارة بنفسها في مثل هذا التاريخ والظرف، سوى تعبير عن تعنت أوسع في منح حقوق شرعية ومدنية أخرى فتح الجدل حولها، ولن ينتهي.وأريد أن أضرب مثلاً للإخوة والأخوات الضجرين، ماذا لو دخلت على عائلة تتحدث عن ابنها المعتقل، الذين لا هم لهم سوى الحديث عنه، وعن مسوغات اعتقاله والمطالبة بإخراجه من السجن، فهل ستقول لهم بكل أنانية وخشونة: لقد ضجرنا، أو غيروا الموضوع؟ لو فعلت ذلك لرموك خارجاً.
اعتقال سيدة وإدخالها السجن بسبب قيادتها سيارتها هو إرهاب لكل من تسول لها نفسها القيادة، وهذا ما عده البعض أمراً تافهاً، ولا يستحق كل هذه الضجة. يبدو أمراً مضجراً أن يستمر الحديث ٢١ عاماً من دون حل، الضجرون ليسوا في السعودية فحسب، بل في الكويت أيضاً، فقد تركت لي إحدى القارئات تعليقاً يقول إنها ملت من هذه القضية، وهناك ما هو أهم. ولأن الكثرة تغلب الشجاعة، فقد غلبني الشك؛ هل أقف على ثغر خاطئ من ثغور حقوق المرأة وأترك الأهم، وعلى المرء أن يصغي للرأي المعارض، وأن يسمع النصيحة، فالنصيحة كما قالت العرب بجمل، والجمل وسيلة من وسائل المواصلات، وقد يفيد هذا في قضية قيادة المرأة سيارتها.قال الضجرون والمعارضون إن قيادة المرأة سيارتها ليست أولوية، بل هامشية، وعلينا الالتفات لما هو أهم. حسناً هاتوا الأهم... شرح أحد الأساتذة في الجامعة الإسلامية أن معالجة قضية العنوسة والطلاق وعضل النساء، هي قضايا أهم من قضية قيادة المرأة للسيارة، وآخر قال إن إيجاد وظائف للنساء أهم، وقال آخر إن ردم الحفريات أولوية.لاحظت أن معظم المعارضين يضعون مشكلات المرأة في حظيرة العرس وتكريسها كمتعة، وليس في فضاء كونها إنساناً متعدد الجبهات. كنت أظن أن المعارضين سيخجلونني بمطالب أكثر أهمية، كنت أظنهم يريدون أن نلتفت إلى حق انتخاب سلطة نيايبة مثلاً، أو المطالبة بصياغة دستور يضمن الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، وبالمساواة أمام القانون، كنت أظنهم سيطالبون بالفصل بين السلطات، كنت أظن أنهم سيطالبون بإصلاح القضاء واستقلاله، كنت أظنهم سيطالبون بتطوير المناهج التعليمية أو محاربة الفساد، أو تقديم المسؤولين عن سيول جدة للمحاكمات العلنية. كل ما وجدنا عند أصحاب الأولويات هي قضايا العنوسة والطلاق وردم الحفريات. وعلى طريقة أبي حنيفة، فقد آن للمرأة أن تمد رجليها، أو تعود لتضع يدها على رأسها، وتقول لقد هرمنا مرة أخرى.