يستحق رد خادم الحرمين الشريفين على الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، الذي أجرى معه اتصالاً هاتفياً أبدى خلاله وجهة نظر حكومته (الروسية) تجاه ما يجري في سورية، الإشادة والتقدير، فالرجال مواقف وموقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي جاء في رده على طلب روسيا إجراء حوار مع مجلس التعاون الخليجي يشكل وقفة تاريخية لقائد تاريخي في وقت وصلت فيه الحالة العربية إلى هذه الوضعية التي لا تسُر الصديق ولا تغيظ العِدا، وعزّ فيه القادة التاريخيون والمواقف التاريخية. قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز إن المملكة العربية السعودية لا يمكنها إطلاقاً أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقـي تجاه الأحـداث الجارية في سورية، مشدداً على أنه كان من الأوْلى أن يقوم الأصدقاء الروس بتنسيق روسي-عربي قبل استعمال بلادهم لحق النقـض (الفيتو) في مجلس الأمن. أما الآن فإن أي حوار حول ما يجري لا جدوى له. وحقيقة أن هذا الرد الحاسم والحازم الموجه مباشرة إلى ميدفيديف يشكل صفعة سياسية قوية لدولة عظمى تزاحم الولايات المتحدة على القطبية الأحادية ودأبت على اتخاذ مواقف مستغربة تجاه الأزمة السورية المستفحلة، من بينها استخدام حق النقض (الفيتو) في اجتماع مجلس الأمن الأخير ضد المبادرة العربية، شكلت كلها استهانة بمشاعر العرب وتحديَّاً لهم، وعززت تمادي نظام الرئيس بشار الأسد في قمع شعبه، وتماديه في ارتكاب مجازر دموية بَشعة في حمص وإدلب وحماة والزبداني وكل المدن والقرى السورية. بقيت روسيا تناور وتداور وتتبع سياسات هدفها إعطاء النظام السوري المزيد من الوقت ليرتكب المزيد من الجرائم على أمل أن يطفئ نيران الثورة المتصاعدة ويقطع عليها طريق الوصول إلى أهدافها المحقة. ولقد جاء الطلب الروسي بالحوار مع مجلس التعاون الخليجي، بعد استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، من قبيل الإمعان في هذه السياسات التآمرية، ولهذا جاء رد الملك عبدالله بن عبدالعزيز على ميدفيديف بكل هذا الوضوح وبكل هذه القوة والصراحة. وحقيقة أن هذا غير مُستغـرب على قائد عربي اشتهر بأنه لا يخشى في قول الحق لوْمة لائم وبخاصة إذا كان الأمر يتعلق بكرامة هذه الأمة ومكانتها وبقضاياها القومية الرئيسية. الآن هناك تراجع عربي على الصعيدين الإقليمي والعربي يمزق الأكباد ويفتتها، فمصر تنشغل بنفسها وبأوضاعها الداخلية منذ أكثر من عام، والعراق بعد كل ما حصل بعد ارتكاب صدام حسين جريمة غزو دولة شقيقة، بات مختطفاً من قبل إيران وسورية، قلب العروبة النابض، التي تحولت في عهد هذا النظام إلى رأس جسر للأطماع الإيرانية في هذه المنطقة، وكل هذا وحال اليمن والسودان هي هذا الحال، ودول شمالي إفريقيا غدت بعيدة جداً عن هموم المشرق وإشكالاته ومشاكله، وغدت تنشغل بأوجاعها ومشاكلها الداخلية الاقتصادية والسياسية. وإزاء كل هذا وعندما يتخذ خادم الحرمين الشريفين كل هذه المواقف الشجاعة منذ اندلاع الأزمة السورية وقبل ذلك فإن هذا يؤكد أن المملكة العربية السعودية هي الحلقة الرئيسية في السلسلة العربية سابقاً ولاحقاً، وأن هذا يعني أنه على العرب أن يلتفُّوا حولها وأن يعقدوا لها لواء القيادة وبخاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تتطلب وضوح رؤية وشجاعة وحسماً في المواقف واتخاذ القرارات التاريخية والمصيرية.
Ad