ذكرى استقلال حزينة

نشر في 22-06-2011
آخر تحديث 22-06-2011 | 00:01
No Image Caption
 أحمد عيسى مرت يوم الأحد الماضي الذكرى الخمسون لعيد الاستقلال، وهي أهم مناسبة وطنية ضمن احتفالية مرور نصف قرن على استقلال دولة الكويت عن اتفاقية الحماية البريطانية، بل هي المناسبة التي أقيمت بخصوصها مجمل هذه الاحتفالية، إلا أنها مع ذلك لم تجد أي اهتمام رسمي يذكر، بما يعكس حالة اللامبالاة التي تعيشها الكويت بعد أن انشغلت بضجيج البرلمان فيما تُرك الوطن يغرق بهدوء.

في البرلمان، الحكومة تواصل نجاحاتها السياسية على الأرض بما يضمن بقاءها، فهي تمتلك أغلبية تضمن الثقة لرئيسها وطاقمه الوزاري، بينما لا تستطيع إيقاف استنزاف المال العام المسمى مجازاً «مكافآت وكوادر» لفئات محددة على حساب أخرى تشعر بالغبن، فتتحرك بدورها لتحظى باهتمام، فتحصل على ما حصلت عليه سابقتها، وتدور الدائرة بين الموظفين، كل يطالب بزيادة ولا يفكر ماذا يجب أن يقدم مقابلها.

ومع صعود قوى «المعارضة الجديدة» و«الدستوريون الجدد»، أصبح البرلمان ملعبا لا تمارس فيه إلا لعبة واحدة فقط، لعبة الرئيس، الأقلية تريد إقصاءه بأي ثمن والأغلبية تقف وراءه، الفريق الأول يستخدم الاستجواب سلاحاً يحارب فيه، والثاني يسقط طلبات عدم التعاون واحداً تلو الآخر، ولا يمنع أثناء ذلك من أن تتعطل الحياة البرلمانية أربعة أشهر فيما «تُسلق» الميزانيات خلال دقائق، أو تقدم اللجان مشاريع بقوانين ينسفها النواب لاحقاً خلال المناقشة، أو يزايد النواب الإسلاميون بإضافة جملة «وفق الضوابط الشرعية» على قانون الخصخصة، ويغيب الأعضاء عن اجتماعات اللجان والجلسات ويكتمل نصابهم في الندوات، لأن المسألة المهمة ليست عملهم بالتشريع والرقابة، بل إسقاط الرئيس أو الدفاع عنه.

مع صعود قوى «المعارضة الجديدة»، أصبح الدستور مجرد ديمقراطية وحرية تعبير، وحرية التعبير تعني النزول إلى الشارع أما الديمقراطية فتتجسد في البرلمان، ولأن البرلمان منشغل برئيس الحكومة فلا يوجد أي تطور في مسألة الحريات وتحديد هوية لهذا المجتمع، وتلوين نسيجه الاجتماعي بألوان علم الكويت بدلاً من الألوان الطائفية والفئوية والقبلية التي تلطخه حاليا، فانحصرت الكويت في «قاعة عبدالله السالم»، وغاب عن الذاكرة الشيخ عبدالله السالم ورفاقه المخلصون الذين أرادوا أن تنطلق الكويت إلى العالم من هذا البرلمان لا أن ينحصر البرلمان على حدود دوائر النواب الانتخابية.

«المعارضة الجديدة» تجنت على الدستور وعلى البلاد، فأفسدت قواعد اللعبة وغيرت الملعب، لكنها مع ذلك مصرة على أن تحصل على النتيجة نفسها، فنجدها تتعسف باستخدام الاستجوابات كوسيلة ضغط لا أداة رقابة، ثم ترفض أن تستخدم الحكومة أداوتها الدستورية واللائحية بالتعامل مع تعسفها، وفي المقابل نجدها تقدم 27 استجواباً منذ مايو 2006 منها 10 موجهة إلى الرئيس فقط، ما يعني أن الشيخ ناصر المحمد أكثر من قدم بحقه استجوابات في تاريخ الكويت، وبالتبعية هو أكثر من حظي بثقة البرلمان بما فيها جلسة تجديد الثقة المقررة يوم غد، ومع ذلك لا «قوى المعارضة الجديدة» قادرة على إسقاطه ولا الحكومة قادرة على العمل، ولا المواطنون استفادوا من أداء حكوماته السبع، لأننا بكل بساطة ضعنا بين الفريقين وضاع معنا البلد.

على مدى خمسين عاما شهدت الكويت تحولات مهمة أشرف عليها رجال دولة حقيقيون ومخلصون أحبوا بلادهم وأعلوها على مصالحهم الشخصية، قادهم رجل واحد فقط اسمه الشيخ عبدالله السالم، كان محباً لوطنه، فقدم لنا مع بقية الفرسان وطناً رائعاً يُدعى الكويت، لكن بعد خمسين عاماً من الاستقلال تراجعت روعة الوطنية أمام حضور الطائفية، وارتفعت مصالح العباد على مصالح البلاد، وتغيرت النظرة من وطنية شاملة إلى شخصية ضيقة، وأصبحنا الدولة الوحيدة في العالم التي يترحم مواطنوها على الماضي ويخشون من المستقبل ويتابعون الحاضر بقلق، ثم تأتي الحكومة بعد ذلك وتزيد الهم هماً وتنشغل بحماية رئيسها وتنسى أن يوم الأحد الماضي كان ذكرى استقلال الكويت قبل نصف قرن، ويكتفي تلفزيون الدولة الرسمي بفيلم وثائقي يتيم سبق أن أنتجه خلال تولي الوزير أنس الرشيد مقاليد الوزارة، بينما لا نزال نسأل أنفسنا عن الـ50 مليون دينار كويتي التي خصصت للاحتفال بهذه المناسبة.

على الهامش:

قرار وزير الداخلية الأخير القاضي بمنع الضباط من التعامل مع وسائل الإعلام بما فيها «نشر أخبار أو صور للضباط أو الأفراد أثناء أداء عملهم» إيجابي ويحسب له، ونتمنى أن نراه مطبقاً حتى يتفرغ الضباط لمتابعة عملهم الأمني دون الحاجة إلى إثبات أنهم يعملون.

back to top