ما من شك في أن «عري النساء» في العالم بات إحدى وسائل التعبير الساذجة والبلهاء، لكنها ذات فاعلية ضخمة إعلامياً، سواء جاءت من اللواتي يتعرين أمام المقرات السياسية كما حصل في أوكرانيا أخيراً أم من النجمات اللواتي يوظفن العري احتجاجاً على استعمال جلد الحيوانات النادرة في الأزياء الحديثة.
لكن العري في العالم العربي ما زال غريباً حتى الآن، وإن لجأت بعض المغنيات إلى كشف أجزاء بسيطة من أجسادهن بغية رواجهن فهذا الأمر يبدو خجولاً بامتياز مقارنة بما يحصل في البلدان الغربية. أبعد من ذلك، فالعري في العالم العربي ما زال يوظف في قتل الآخر، فمن يريد القتل الرمزي لإحدى المطربات عليه أن ينشر صورها شبه عارية. نصل إلى بيت القصيد، الشابة المصرية علياء المهدي التي نشرت على الإنترنت صوراً لها وهي عارية، فأحدثت صدمة كبيرة ما زالت تداعياتها مستمرة حتى الآن، وكأن عريها مثل قنبلة نووية سقطت على مدينة كبيرة. كُتبت عن تلك الفتاة صاحبة الفعل الأبله، زوايا وتعليقات لا تعد ولا تحصى، يحسدها عليها كثير من أباطرة الكتابة والزعماء. على أن علياء التي لا يصل عمرها الى عشرين سنة، والتي صدمت المجتمع المصري كله، نُسبت صورها الى الفسق أو الفجور والحط من الدين والأخلاق والتقاليد. في تصرفها الفاجر وملامحها الندية، وضعت هذه الشابة الإصبع على الجرح، فهي التي قيل إنها فتاة مصرية ملحدة نشرت صورها لدعم مفهوم الحرية، صدمت غلاة ميدان التحرير في القاهرة، إذ نشرت المواقع الإكترونية صورها وهي تُطرد من الميدان، تعامل معها المحتجون على نظام العسكر كما تعاملت سلطات الرئيس السابق حسني مبارك مع عشاق الموسيقى الشبابية وقد اتهمتهم بأنهم «عبدة الشيطان». وإذا كانت الشابة علياء المهدي، أرادت أن تعبر عن تمردها على محاولات الاستيلاء على ثورة مصر من العسكر والإسلاميين، فجماعة الإخوان المسلمين تحديداً، وجدت في تصرفها فرصة للانقضاض على حركة السادس من أبريل، وهي إحدى أبرز حركات الشباب المصري الذي يخوض معركة استعادة الثورة والدفاع عن مكتسباتها. ليست هذه المرة الأولى التي تتعرى فيها امرأة أو فتاة عربية احتجاجاً أو تعبيراً عن أمر ما، فقبل سنوات خلعت الرسامة الأميركية من أصل سوري هالة فيصل ملابسها في ساحة ميدان واشنطن في مدينة نيويورك لتصبح عارية تماماً إلا من شعارات مناهضة للحرب تغطي جسمها، احتجاجاً على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. استغرق الاحتجاج ما يقرب من عشر دقائق حتى تم القبض عليها وأخذت إلى قسم الشرطة وأخلي سبيلها بعد تحرير مخالفة لها (التعري في الأماكن العامة). بالطبع اتهمت هالة الفيصل بألف اتهام، ولم ينظر بعض الكتاب العرب إلى الهدف مما فعلته في ساحة ميدان واشنطن، بل كتب ضد العري بحد ذاته، ونسب بعضهم الآخر ما قامت به إلى فعل الشيطان. ما فعلته هالة الفيصل لم يكن في مستوى ما فعلته علياء، فالأولى فنانة تقيم في أميركا بلد «الحريات» وأفلام هوليوود إذا جاز التعبير. أما الثانية فهي في مصر التي تعاني من الرقابة حتى في أبسط الأمور، فما بالكم بقضية تتعلق بعري فتاة نضرة!؟ وإذا كان بعض المثقفين استعمل عري الفتاة المصرية للحديث عن عري الثورة المصرية فبعض الشاعرات المهووسات، اندفعن للدفاع عن تلك الفتاة لمجرد أنها تعرت!! التعري بحد ذاته أيديولوجياً عند بعضهن أو يوطفنه كشعار في مسارهن الغامض. باتت علياء المهدي «حديث الساعة» ومصدر عشرات الإشاعات السخيفة، وقد تكون عنواناً لبحث اجتماعي سيكولوجي يعكس واقع العالم العربي على حقيقة خفاياه.
توابل
العري احتجاجاً
07-12-2011