فيليب روث... الحياة أبقى من الموت!
هل هناك أجمل من كتاب يجعلك تتبصر في حياتك؟ ويفتح عينيك على دهشة كانت مخبّأة تحت خفق قلبك؟ ويصارحك بما يجول في خاطرك، دون أن تستطيع التصريح به! ثمة كتب تتوفر على سحر الكلمة، لذا فإنها تعرف كيف تأخذ طريقها إلى القلب، لتترك أثراً يجوس بين جنباته، ورواية "كل رجل- Everyman" للروائي الأميركي "فيليب روث- Philip Roth" ترجمة مصطفى محمود، إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب، بسلسلة الجوائز (74)، هي رواية من هذا النوع. فيليب روث، روائي أميركي يهودي من أصل دانمركي، وبسبب رواياته الذائعة الصيت، وترجماتها إلى كل لغات العالم، فإن لأعماله حضوراً بارزاً في أقطار الوطن العربي، لاسيما أنه بات من أبرز الأسماء المبدعة المرشحة لنيل جائزة "نوبل للآداب". وفيليب روث، بالرغم من يهوديته، فإنه معروف بمواقفه المناصرة للقضايا الإنسانية، بما في ذلك القضية الفلسطينية، وميوله المضادة للصهيونية، مثلما هو معروف عنه اعتراضاته الكثيرة على السياسات الأميركية.
إن حرص البشر على تأمين حياتهم المستقبلية، وانهماكهم في التخطيط لها، يضعان أرجلهم على بداية طريق، لكن أقدار الحياة الملتوية ربما تقودهم إلى دروب اشتغالهم بوظائف أخرى غيرها، لتصبغ هذه الحياة مشاوير أعمارنا بألوانها الزاهية أحياناً، والكابية في أحايين أخرى كثيرة. الروائي فيليب روث، قال، في أحد لقاءاته الصحافية، إنه لا يعرف طريقة أخرى غير الكتابة ليكون إنساناً أو رجلاً. وربما هذا ما جعله يكرّس حياته للقراءة والكتابة، وإذا ما أضيف إلى ذلك الموهبة النادرة التي يتمتع بها، فهذا، مجتمِعاً، يبرر اهتمام العالم الأدبي والثقافي بنتاجه الإبداعي، وترجمة أعماله إلى معظم لغات العالم، وكذلك حصوله على جوائز كثيرة لم تتوفر لكاتب أميركي معاصر. لذا فهو الكاتب الأميركي الحيّ الوحيد الذي نشرت "Library of America"، أعماله في طبعة شاملة، ومن المقرر طباعة آخر ثمانية مجلدات منها في عام 2013. رواية "كل رجل"، هي رواية تخاطب الحياة عبر النظر إلى الموت، وتنظر إلى الموت باعتباره النهاية الحتمية لكل إنسان. ولأن الموت ثمن باهظ وقاصم للحياة، فإنه يمكن النظر إليه بوصفه يشغل كفة، بينما تشغل أحداث عمر الإنسان كلها الكفة الأخرى. وإذا كانت أحداث الحياة تمرّ بنا مرة واحدة لا تتكرر، فإنها تطبع أعمارنا بطابعها، ليصبح استرجاع أي لحظة فائتة ضرباً من المستحيل، وليس للإنسان سوى ذكرياته معيناً لمعايشة لحظة عمر يشتاق إليها. لكن هذه الذكريات قد تكون عمراً آخر يتعيش عليه الإنسان حين يتقدم به العمر، ويجد نفسه طريح فراش المرض يستحضر أحداث حياته بانتظار لحظة مفارقته لها. ومن هذا المنظور فإن رواية "كل رجل" في استحضارها للموت، إنما تمجد فعل الحياة، ساعية إلى فتح أعين وعينا على جمال الوصل الإنساني، وأهمية أن نراكم الطيب والجميل والإنساني في شبابنا لنحصد ثمراً طيباً وراحة ضمير في نهاية مطافها، وبذا فهي رواية موت تضمن بقاءها الإبداعي ما بقيت حياة الإنسان. إن حياة متقدمة بعيدة عن الأهل والأصدقاء ليس لها إلا الوحشة والألم والمعاناة، وفي ذلك يصف روث حياة ووجع بطل روايته: "صحيح أنه اختار أن يعيش في وحدة، لكن ليس في وحدة غير محتملة، والأسوأ من أن تكون في وحدة غير محتملة هو أنه يتحتم عليك أن تتحملها" ص101. قد تكون الذكريات واحة نعمة، لكنها بالتأكيد أعجز بكثير من بث شيء من فرح في لحظة حياة آفلة. رواية "كل رجل"، بقدر خوضها في حياة رجل أميركي خاصة، فإنها تنفتح على حياة الإنسان بعمومه أينما كان وفي كل زمان.