أيها الراشدون أين أنتم؟

نشر في 18-09-2011
آخر تحديث 18-09-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. ساجد العبدلي       لا يمكن أن أقتنع أن حكومتنا لا تزال لا تشعر بأن الأوضاع في البلد قد وصلت من الانحدار نقطة حرجة جدا، فحتى أقل الناس إدراكا أضحى يدرك هذا، وأبسطهم فهما غدا يستوعبه، وأبلدهم إحساسا بات يشعر به!

يا سادتي، إن الوضع خطير... خطير جدا، والمسألة ليست تشاؤما أو سلبية ليس لها من الواقع سند، بل هو إدراك قائم على الكثير من المستندات المشاهدة والمتابعة طوال الوقت، ومثل هذا الأمر يجب أن يكون كفيلا بجعل أي حكومة، خصوصا والعالم يغلي من حولنا وهو يشهد ما يشهد من ثورات هائجة في مواقع كان أكثر المراقبين انفعالا يظن كل الظن أنها الأبعد عن الاشتعال، أقول إن هذا يجب أن يكون كفيلا اليوم بجعل أي حكومة، مهما كانت قوتها وجبروتها وسيطرتها، تعيد النظر جادة مخلصة في كل ما تقوم به، فتباشر دون إبطاء في المعالجة والإصلاح.

وأما تلك التي لا تقوم بهذا، فإما أنها فاقدة للوعي والإدراك، وفاقد الوعي والإدراك يسقط عنه التكليف كما يقول الشرع، وإما أنها متوهمة بأنها لا تزال تملك من القوة والمنعة ما يجعلها تسيطر على مقاليد الأمور، وهذا وهم مشوب بالحماقة، أعاذنا الله من الحماقة!

لا أدري والله، هل الجماهير وحدها هي التي تتابع القنوات الإخبارية الفضائية، أم أن الحكومات تتابعها أيضا ولكن تحسبها أفلاما مفبركة، أم ما الحكاية بالضبط؟!

إن ظهور الناطق الرسمي لحكومتنا بالأمس على قناة الراي، أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه غير موفق أبدا، فهو أشبه ما يكون بحكاية الدب الذي لطم وجه صاحبه ليبعد عنه ذبابة صغيرة فأدماه... بل لن أتردد في أن أقول إنه لقاء مستفز خاطئ تماما زاد هيجان الشارع هيجانا، وزاد نفوس الناس احتقانا.

إن لغة التهديد والوعيد، التي استخدمها الناطق الرسمي، إن لم يكن مباشرة فمن طرف خفي، وأسلوب التلويح بعصا العسكر قد أضحت اليوم لغة بائدة عفا عليها الزمن، ولو كان فيها ثمرة ترجى لأخمدت ثورة ليبيا ولقمعت ثورة سورية، كما أن أغبى الحكومات هي تلك التي تستعدي شعوبها، فعداء السلطة للناس يوحدهم مهما اختلفت مشاربهم وتوجهاتهم، والأدلة على هذا اليوم صارت أكثر من أن تحصى، والشعوب أثبتت دوما أنها تنتصر في النهاية، طال الزمان أو قصر، وكلما طالت المدة كان الانتصار أكثر ضراوة!

أما الحكومة "العاقلة" حقا فهي تلك التي تستمر باستخدام اللغة الحانية مع شعوبها، وتستمر بالتزام مظهر الصلاح حتى لو كان في مسيرتها ما ليس على ذلك حقا، وأما تلك التي تكشف أمام الناس صراحة عن صدر العداء والتحدي، فإنها ستخسر كل تأييد وستقود نفسها إلى ما لا تحمد عقباه.

في السابق كنا نطالب الناس بالتعقل والرشد، لكننا اليوم صرنا نطالب الحكومة بذلك، بعدما وجدنا الناس قد فاقوها رشدا، وما عدنا نجد منها إلا التخبط والمزيد منه!

أكتب هذه المقالة وأنا بعيد عن البلاد، ومتابع لأخبارها عبر الإنترنت، في ذات اليوم الذي اتفقت فيه القوى الشبابية على النزول إلى الشارع احتجاجا على الأوضاع السياسية السيئة، والحق أني كنت في السابق على موقف متحفظ من هذا النزول لاعتراضي على عدم وضوح أهدافه ومطالباته، وكذلك لخشيتي من اختطافه وتجييره لمصلحة أطراف غير مخلصة النوايا، لكنني اليوم أرى الدعوة الشبابية قد صارت مع مضي الوقت أكثر تركيزا، ولا أملك إلا أن أقف قريبا منها، إن لم يكن إيمانا بها، فاعتراضا وكفرا بهذا الفساد والتدهور المقيت!

وأعلم أيضا أن كثيرا ممن كانوا على شاكلتي بالأمس، وغيرهم آخرين، قد صاروا في ركاب هذه الدعوة الشبابية الشجاعة، احتجاجا ورفضا لهذه الحكومة التي أظهرت عجزا لا يدانيه عجز، بعدما أزكمت الأنوف رائحة الفساد والرشاوى المليونية، فأحجمت، وأعني الحكومة، حتى عن الإتيان برد فعل يكون على مستوى الأحداث، ولو من باب التظاهر بالصلاح ورفض الفساد والتلويح بقبضة من حديد لكبح الفاسدين ومعاقبتهم، خصوصا أن أصابع الشك تشير إليها، وكأنها بهذا الإحجام تؤكد الشبهات!

هذا الصمت الحكومي، والتبلد الشعوري الغريب، ما عاد يقبله عاقل، ولا تستطيع نفس كريمة أن تبتلعه فتسكت، وفوق ذلك تأتي الحكومة لتزيد الأمور اشتعالا عبر استفزازات، أقل ما يقال عنها إنها رعناء، وذلك على لسان ناطقها الرسمي في لقاء قناة "الراي"!

نداء أوجهه إلى رجالات الدولة الحكماء... لبقايا الرشد... أن يفيقوا ويتحركوا بما يوازي ما يجري من أحداث عاصفة، فالسفينة بأسرها مهددة، وإن وقع الخطب فلا عاصم، وكم من حضارة سادت ثم بادت، وكم من ملك علا ثم زال!

back to top