البراك انتخب بوبراك !
قامت الدنيا ولم تقعد منذ أن بدأت الاستطلاعات التي تشير إلى صعود أسهم المرشحين (النائبين حاليا) محمد الجويهل ونبيل الفضل في الدائرة الثالثة، حيث بدأت تكال التهم إلى ناخبي هذه الدائرة ويلصق بهم العار على هذا الاختيار، لكن بنظرة فاحصة يتبين لنا أن هدف هذه الحملة هو التغطية على أصل المشكلة، والتي بسببها أنتجت الدائرة هذين النائبين.فمنذ مجلس 2008 والبلد يدور في حلقة مفرغة من التأزيم وتعطيل التشريعات المكدسة على جدول الأعمال، وإغراق المجلس باستجوابات أغلبها تافه وسخيف، والبقية موجهة إلى العنوان الخطأ. ورافق هذه الحقبة تدنٍّ في مستوى الحوار، وتصاعد في الخطاب الطائفي المتطرف من قبل بعض النواب الذين بانت الشخصانية وجنون العظمة على أدائهم، بحيث شعر الكثيرون أن القرار السياسي في البلد بات مختطفاً، خصوصاً بعد استخدام الشارع بشكل متكرر وغوغائي تجلى في أبهى صوره عند اقتحام مجلس الأمة، والفخر بهذه الجريمة النكراء إلى يومنا هذا، بالرغم من وصف سمو الأمير لذلك اليوم بـ"الأربعاء الأسود".
كل هذه الأفعال أنتجت ردة فعل لدى عدة فئات من المواطنين طبقا لقانون نيوتن "لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار معاكسة له في الاتجاه"، خصوصاً بعد أن نجح هذا النهج الغوغائي في تحقيق مراده برحيل رئيس الوزراء وحل مجلس الأمة، فاكتسب زخما وقوة جعلا أتباعه يقومون بحرق مقر الجويهل، واقتحام قناة "الوطن" في تحد واضح للقانون، وفي محاولة لفرض شريعة الغاب ونهج الأمر الواقع. لذلك لجأ المواطنون المعارضون لهذه الحركة إلى انتخاب أناس يواجهون هذا النهج الغوغائي ورموزه بنفس أسلوبهم الهابط وصراخهم العالي؛ بعد أن استشعروا خطورة هذا النهج على أمن البلد، وهذا أمر طبيعي جدا، فعندما يولد تيار يميني متطرف في أي مجتمع، فحتما سيقابله ميلاد تيار يساري متطرف في الناحية الأخرى.ولعل هجوم البعض على اختيار أبناء "الثالثة" للجويهل والفضل هو بحد ذاته يعكس عقلية الإلغاء والكيل بمكيالين في نفس الوقت. فاعتقد هذا البعض أن من حقه أن ينتخب من يشاء من طائفيين وعنصريين وشاتمين دون مساءلة، وفي نفس الوقت لا يريد أن يكون للناس في الجهة المقابلة أي ردة فعل لينتخبوا أضداد هؤلاء. لكن إن كان هناك من يجب أن يساءل عن اختياراته، فالأولى مساءلة من أوصل الشاتم والمحرض على كسر القانون، ونشر شريعة الغاب إلى المركز الثالث بأكثر من 20 ألف صوت، لا من أوصل مرشحين إلى المركزين الثامن والتاسع!ومع الإقرار بأن الجويهل والفضل لم يكونا لينجحا لولا ردة الفعل على نهج الغوغاء، فمن الظلم مساواة الفضل بالذات مع نظرائه في الجانب الآخر من ذوي الصوت العالي ومستخدمي الألفاظ الجارحة مثل مسلم البراك في كل شيء، فبكل تجرد وإنصاف ومع وضع الخلفية السياسية لكل منهما جانبا، نجد أن البراك المسمى بضمير الأمة وحامي حمى المال العام لم يكن لديه مانع من استخدام المال العام في تصفية حساباته مع الحكومة، عبر التحريض على إقرار الكوادر العبثية بشكل فوضوي- والتي ستكون آثارها مدمرة على الاقتصاد المحلي في المستقبل القريب- ونشر الفوضى ومساندة أي مطالب محقة كانت أو باطلة حتى بين الطلبة، بينما كان الفضل هو الوحيد الذي طرح آراء غير شعبية إطلاقاً؛ مثل الحديث عن ضرورة الضريبة والبطالة المقنعة في الوزارات وخصخصة قطاع الكهرباء بأكمله؛ مع تمليك الجزء الأكبر منه للمواطنين حتى يحددوا بأنفسهم السعر العادل للكهرباء، وغيرها من أمور لا يجرؤ أي من هؤلاء على طرحها لأن عقلية "الشفط" والأخذ دون مقابل هي المسيطرة عليهم.إذن لا تلوموا أبناء الدائرة الثالثة على بعض اختياراتهم، بل لوموا أنفسكم وراجعوا أولا خياراتكم التي أوجدت ردة الفعل لدى الآخرين، وتذكروا أن ردة الفعل لن تزول إلا بزوال الفعل الأصلي.