أعشق الصباح... وأخافه كثيراً...!

Ad

في الصباح أشعر أن كل شيء نديٌّ:

أوراق الشجر

ابتسامات الورود

عبارة: «صباح الخير»

الموسيقى

صوت فيروز

الشبابيك المطلة على أفنية المنازل...

وقلبي...!

وقلبي هذا بالذات هو مصدر الخطورة بالنسبة لي!

يعتقد قلبي يقيناً مع طلّة كل صباح أنه عصفور... يمامة.... سنونو... أو طائر نورس!

لذا اعتدت في الصباحات أن أطلقه عاريا إلّا من دعواتي له ليهيم كيفما شاء في الفضاء.

يحلّق عاليا في حضن السماء الزرقاء، وأنا أرقبه من مكاني مبتسما فرحا بطفولته،

تدهشني حركة جناحيه أثناء طيرانه عندما يفردهما فوق جسده ويخفضهما وكأنما هو يقطف قِطَعا من زرقة السماء ويخبأها في سلة ما يخبأها تحت صدره!

أنظر إليه بين الفينة والأخرى فأراه فوق غصن، أو مندسا بين سرب طيورٍ عابر (ربما هي قلوب أخرى مثله)، أو على حافة شبّاك، أو يلتقط قطرات من الماء على الأرض.

يظل قلبي هكذا طليقا يمارس حريته وفرح طفولته طوال الصباح، وبعدها يعود إليّ مسرورا مبتهجاً ليختبئ خلف أضلعي متبوئا عشّه بين الحنايا، قلبي لا يعلم أنني في كل رحلة صباحية له، أبقى خائفا مشدودا، متوترا، وعلى أعصابي!

في الصباحات يكون قلبي في أقصى حالات الاستعداد للحب، وفي أشد حالات التهيؤ له.

من جهة أخرى أعرف أن الحب في الصباح في أشدّ حالاته «روقانا»، وغالبا ما يتمتع بمزاج عال وشفيف في مثل هذا الوقت.

يتخذ الحب ركنا قصيّا من الصباح، ويجلس يرقب الفضاء، لا شيء يفعل سوى ذلك!

إنه يتربص للقلوب «الفالتة» واللاهية والغافلة، وتلك التي لا ترتدي سترة واقية!

يظل يراقب القلوب التي تسرح وتمرح في الفضاء، ثم يختار طريدته بينها، ينتقيها انتقاءً لتكون ضمن مقاييس «موده» ذلك الصباح!

كثيرا ما اصطاد الحب قلبي بهذه الطريقة الممتعة!

وكثيرا ما عاد إلي قلبي بشكل مختلف، كأن يعود على غير موعده إما مبكراً أو متأخرا، أو أن يعود وقد اكتست ملامحه مشاعر مختلفة وربما متضادة أحيانا، أو أن يحتضنني بلهفة لا تشبه المعتاد، وأحيانا يتحدث معي بدون توقف عن كل شيء ولا شيء في الوقت نفسه، وأحيانا أخرى يكون صامتا لا ينبس عن شفه، وتذهب محاولاتي لاستدراجه في الحديث أدراج الريح!

المهم أن كل تلك علامات تجعلني أجزم أنه وقع فريسة للحب في ذلك الصباح!

الحب في الصباح يعتمد طريقة غير تلك التي يعتمدها في الليل،

الطريقة التي يعتمدها في الليل أقل رقيّاً، ولا تخلو من العشوائية وربما البذاءة أحيانا!

إنما في الصباح يتّبع الحب منهجية أخرى فيها كثير من الانتقائية والدهشة،

إذ يسرّب الحب جمال الحياة من خلال ثقبٍ صغير في القلب يخفي به زهرة الحب، فيرتبط جمال كل شيء تراه بعطر تلك الزهرة:

الشوارع، المارّة، الباعة المتجولون، الصحف، السماء، الأشجار، وحتى الوطن تظل رائحته مجدولة بعطر زهرة الحب تلك وشذاها، فيصبح نسيان ذلك الحب مستحيلا، وإن حدث يكون مدمرا!

الحب الذي يولد صباحا يبقى نقشا في القلب تصعب إزالته، فاحذروه!