يبدو أن مقولة ألبير كامو "كلنا سيزيفيون" بدأت تستهوي المصريين وهم يسعون إلى تطبيقها، فكلما هدأت الأمور وكادت تستقر يعود بنا البعض إلى نقطة البداية، فأصبحنا نتلذذ بتعذيب أنفسنا ولومها لنشعر أننا على خطأ فنعيد الكرّة من جديد.
بعد الاستفتاء الذي تم في مارس الماضي، وشهد القاصي والداني بنزاهته وحياديته، وجاءت نتيجته على غير هوى البعض– وهذا طبيعي- بدأت الأمور بالاستقرار والسير وفق الجدول الزمني الذي أقره الاستفتاء الذي وافق عليه أكثر من 70% من المصريين، ولكن بسبب عقدة "سيزيف" على ما يبدو بدأ البعض الآن بإعادة تدوير البكرة ورفض الانتخابات البرلمانية، والدعوة إلى البدء بإعداد الدستور أولا، وأن أي انتخابات قبل إعداد الدستور سيشوبها البطلان، وأن ما يحدث انتكاسة لثورة يناير، وأن... وأن... إلخ.يقينا فإن أي مسار سنختاره ونسير فيه له مزاياه وعيوبه وله مؤيدوه ومعارضوه، ولن يكون هناك أبدا مسار فاضل لا نقص فيه ولا تشوبه شائبة، كما أن أي ترتيب سنختاره سواء الانتخابات أولا أو الدستور أولا سيختلف حوله البعض، فهل نضيع وقتنا وجهدنا ونحن نبحث عن الطريق الكامل والأسلوب الأمثل للمدينة الفاضلة– التي لم يجدها أحد- أم نبدأ بالسير وفق النهج الذي أقره الاستفتاء، ووافق عليه الشعب؟كما أن الدستور– كما يقول فقهاؤه- عقد اجتماعي بين الحاكم والشعب، أي أنه ليس قرآنا منزّلا ولا كتابا سماويا لا يجوز المساس به، ومن ثم فكل دساتير العالم فيها آلية لتعديلها أم تريدونه صندوقا مغلقا ضاع مفتاحه في البحر فلا يمكن تعديله؟ إن هذا للأسف حديث غير سياسي وغير واقعي، وإذا اتفقنا على وجود آلية ما لتعديله فسنجد أن جميع دساتير العالم تعطي الحق في تفعيل هذه الآلية للشعب من خلال مجالسه النيابية المنتخبة، فإذا كان أعضاء مجلس الشعب هم المسؤولون عن التعديل أولا، يكونون– من باب أولى- مسؤولين عن إعداده؟ ما الغريب والعجيب في ذلك؟أمر آخر؛ لو افترضنا أننا قبلنا مقولة الدستور أولا، وتم إعداده وعرضه للاستفتاء ورفضته القوى الإسلامية (ذلك الشبح الخفي الذي يحرك الـ85 مليون كما يقولون) فسنعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر، فهل هذا في مصلحة أحد أو في مصلحة الوطن؟هذا حديث العقل والمنطق، أما إذا أردنا الحديث بصراحة أكثر فسنجد أن القضية تتلخص في الخوف والرعب من سيطرة القوى الإسلامية على مجلس الشعب، وهي ذات "الفزاعة" التي كان يستخدمها النظام السابق، فهل من يستخدمها الآن ينتمون إليه ويتبنون أفكاره؟ لا أظن.إن الخوف من سيطرة القوى الإسلامية على المجلس القادم خوف هستيري ومرضي "فوبيا" من شبح لا وجود له (السيطرة وليست القوى الإسلامية) فهناك فارق كبير بين التدين الفطري الذي يميز الشعب المصري (مسلمين ومسيحيين) وسيطرة الدين على السياسة، وهذا ما لن يقبله أحد، خاصة بعد ثورة يناير، وبالله عليكم من أي قوة تخافون؟ الإخوان أم السلفيون أم الصوفيون؟ إن ما بين هذه الجماعات من خلاف واختلاف يفوق ما بينها وبين حزب التجمع مثلا فمم تخافون؟إلى المجلس العسكري والحكومة الانتقالية: رجاء ثم رجاء باسم الشعب كله البدء فورا وبأي مسار دون إضاعة الوقت والجهد والجري وراء الأمثل والأكمل والأفضل، فهذه المصطلحات لا وجود لها في عالم السياسة، ولنبتعد جميعا عن عقدة "سيزيف" ونتخلص من "فوبيا" الإسلاميين كي تستقر الأمور، ونبدأ بجني ثمار الثورة... فحرام عليكم دماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم وحياتهم دون سؤال أو مناقشة الانتخابات أولا أم الدستور أولا؟ بل كانت أرواحهم ترفرف عاليا وتشدو في حب مصر أولاً... مصر أولاً.
مقالات
مصر أولاً
01-07-2011