استجواب طباخ السم

نشر في 19-10-2011
آخر تحديث 19-10-2011 | 00:04
No Image Caption
 أحمد عيسى بحلول اليوم الأربعاء يكون قد مضى على نشر جريدة "القبس" خبر الإيداعات المليونية 60 يوما، ومنذ ذلك اليوم لم نر سوى تجمعات تخلتلها اتهامات طالت جميع الأطراف، بينما لم ينجز أي تقدم ملموس على الأرض على صعيد إقرار تشريعات مكافحة الفساد، يضاف إليها جملة أخطاء استراتيجية وقعت فيها قوى المعارضة الجديدة أدت إلى انحسار التفاعل الشعبي مع هذه القضية المستحقة.

أول الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها قوى المعارضة الجديدة، عدم حسم موعد تقديم استجواب الإيداعات المليونية، فتغيير موعد تقديمه من الخميس الماضي إلى يوم غد أربك المعارضة ومؤيديها لأنه تداخل مع استجوابين مقدمين سلفا لرئيس مجلس الوزراء، الأول يُتوقع أن تفصل فيه المحكمة الدستورية غداً، والثاني مُدرج على جدول أعمال جلسة يوم الثلاثاء المقبل الموافق 25 أكتوبر بعد الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد الرابع، وكلاهما يلفه الغموض؛ إذ لم يُعلن حتى الآن عن نية سحبهما أو المضي في مناقشتهما.

وزاد هذا الغموض تأخير تقديم استجواب الإيداعات المليونية لأن تقديمه غدا سيدرجه على جدول أعمال أول جلسة للبرلمان في نوفمبر المقبل مع احتمال تأجيل مناقشته إلى النصف الثاني من نوفمبر بسبب عطلة عيد الأضحى، كونه لم يستوف مدته الدستورية المقررة بمضي ثمانية أيام على تقديمه، وبالتالي فمن الصعب وسط هذا الغموض توقع أي المسارات سيلجأ إليها المستجوبون والمستجوَب مع الاستجوابات الثلاثة، ومن خلفها مواقف مؤيدي الاستجوابات ومعارضيها.

ثاني الأخطاء، تمثل بعدم مراعاة قوى المعارضة الجديدة عامل التوقيت، فقد استنفدت جميع تحركاتها مبكرا وخسرت الزخم الشعبي بسبب التكرار، فتقلص عدد المشاركين بتجمعاتها، فخلال تجمع 21/9 أُعلن عن تقديم استجواب لرئيس الوزراء على خلفية قضية تضخم أرصدة النواب، دون أن نرى منذ ذلك الوقت أي استجواب يقدم مقابل الدعوة إلى 5 تجمعات جماهيرية احتوت نفس المضمون.

ثالث الأخطاء، استخدام الجارح من الكلام وإلقاء التهم دون دليل، وتحول تجمعات مكافحة الفساد إلى نسخة جديدة من تجمعات "ارحل"، واستغلال القضية لإحراج الخصوم السياسيين بذريعة كشف مواقفهم أمام الشارع، وهو ما خلق انقساماً حاداً في المواقف سيعود سلباً على متبني القضية ومستقبل علاقتهم بزملائهم، لأنهم وضعوا معارضيهم في خندق واحد مع الحكومة ورئيسها، وربطوا مصيرهم ببقاء الحكومة ورئيسها، وعليه سنجدهم يقاتلون لبقائها، لأن بقاءها من بقائهم، وربما وفقا لهذا النهج يتوقع أن يسخن دور الانعقاد المقبل وأن تتخلله مشادات حادة لأن القلوب مشحونة على مدى شهرين.

رابع الأخطاء، عدم تمكن قوى المعارضة الجديدة من ربط تضخم أرصدة النواب البنكية برئيس الوزراء بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا عبر حديثهم ومداخلاتهم بالتجمعات، وأبرزها وصف النائب مسلم البراك لرئيس الوزراء بأنه "الراشي" دون أن يحدد من هم "المرتشون"، ووصفه بأنه "طباخ السم" بمعرض تحذيره لوزير الخارجية، وما يوازي ذلك من اتهامات وكلام مرسل دون أدلة، وهذا السلوك يضعف حجة القضية.

ربما تكون هذه المرة الأولى في تاريخ الكويت الدستوري التي تصل فيها حدة الطرح إلى حد البحث عن مؤيدي كتاب عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء قبل أن يُقدم بحقه استجواب، وهذا عبث يجب الانتباه إليه، لأننا بهذه الحالة سنرسخ لسابقة تلغي الدستور وتغير شكل الممارسة السياسية، حيث سيُقال الوزراء أو رئيسهم بالشارع وليس تحت قبة "عبدالله السالم"، وهو ذات النهج الذي كرسه نواب المعارضة الجديدة منذ زمن حينما فضلوا ممارسة عملهم البرلماني على ناصية الشارع بدلا من داخل مجلس الأمة لتبرير فشلهم بتحقيق أجندتهم.

back to top