سمع البعض إعلاناً بالنصر، بينما سمع البعض الآخر اعترافاً بالهزيمة، فكانت التناقضات المتعددة التي وردت في خطاب الرئيس أوباما عن أفغانستان، عشية يوم الأربعاء، تهدف على الأرجح إلى التعتيم على الخلاصة النهائية للوضع القائم: ستبقى عشرات الآلاف من القوات الأميركية في أفغانستان لمدة ثلاث سنوات إضافية على الأقل، وسيتعرض بعض عناصرها للإصابة أو القتل، ولم يقدّم أوباما سبباً وجيهاً لتبرير ذلك.

Ad

يبدو أن الجدل الوحيد القائم داخل الإدارة الأميركية تمحور حول سحب القوات العسكرية بوتيرة أبطأ بكثير أو عدم سحبها على الإطلاق، فاختار أوباما خيار الانسحاب البطيء.

بعد سنة من الآن، سنكون قد سحبنا عدد الجنود الذين أُضيفوا وفق خطة «زيادة عدد القوات العسكرية» التي أرسلها أوباما للقتال منذ 18 شهراً، وقد بلغ عددها أكثر من 30 ألف عنصر، لكن ذلك يعني أن 70 ألف جندي أميركي تقريباً سيبقى في أفغانستان؛ ما يساوي ضعف العدد الذي كان منتشراً هناك حين وصل أوباما إلى سدة الرئاسة.

يُفترض أن تكتمل «العملية الانتقالية» التي يتحمّل بموجبها الأفغان مسؤولية الوضع الأمني في بلدهم تزامناً مع انسحاب الأميركيين، في عام 2014، لكن يبدو أن عدداً من القوات، وفق أشكال مختلفة، ستبقى في موقعها لتأدية دورٍ «داعم» لأفغانستان.

بعبارة أخرى، سنخوض ثلاث سنوات إضافية من الحرب، يليها وجود عسكري يكون حجمه غير محدد على المدى الطويل.

لكن ما سبب ذلك فعلياً؟ بعد عشر سنوات من الحرب، ماذا سنكسب من بذل هذه الجهود في المرحلة المقبلة؟

طرح أوباما في خطابه مجموعة من الأسباب التي تدفعنا إلى اعتبار أن مهمّة أفغانستان أُنجزت، فقد تدمرت قيادة «القاعدة»، وقُتل أسامة بن لادن، وأُسقطت حركة طالبان من السلطة، كما أن إمكانات الحكومة الأفغانية المنتخَبة بنزاهة والمدعومة من الأميركيين لخوض الحرب- وربما إرساء السلام في أحد الأيام– تنامت بشكل ملحوظ.

وأضاف أوباما: «الهدف الذي نسعى إليه قابل للتحقيق ويمكن التعبير عنه ببساطة: لا وجود لأي مخبأ آمن يمكن أن تستخدمه «القاعدة» أو فروعها لشن الاعتداءات ضد وطننا أو حلفائنا».

استناداً إلى هذا الموقف، يمكن اعتبار أننا نجحنا فعلاً، وبالتالي، يمكن أن تعود جميع القوات العسكرية بلا استثناء إلى ديارها غداً.

أما إذا كان الهدف الفعلي من هذه المهمّة يتعلق بترك بلد لا يمكن استعماله مطلقاً كقاعدة إرهابية، فالنجاح مستحيل، فلا يمكن ضمان هذا الأمر في كندا، فكيف بالحريّ في أفغانستان؟ هل نسي الرئيس وجنرالاته أن معظم خطط اعتداءات 11 سبتمبر 2001 حصلت في ألمانيا؟

قال أوباما: «لن نحاول جعل أفغانستان مكاناً مثالياً»، إنه قول منطقي إلى أن ندرك أن أفغانستان غير المثالية في عام 2014 ستبدو حتماً مثل أفغانستان غير المثالية اليوم. بعد ثلاث سنوات من الآن، ستبقى الحكومة الأفغانية فاسدة جداً، وستحافظ حركة طالبان على قاعدة دعم واسعة بناءً على الاعتبارات الإثنية والقرابة العائلية في أراضي قبيلة البشتون، وسيبقى انعدام الثقة بالسلطة المركزية جانباً وطنياً يطبع البلد دوماً.

سبق أن بذلنا كل ما بوسعنا للتخلص من التهديد الإرهابي الذي كانت تطرحه أفغانستان، لكنّ إمكاناتنا لا تسمح لنا بفرض سلام وازدهار دائمين، لقد اعترف أوباما باحتمال تحقيق ذلك عبر تسوية سياسية حصراً، لكن وحدهم الأفغان يستطيعون عقد اتفاق مماثل والحفاظ عليه.

في الجوهر، نحن نستعمل وسائل عسكرية لتحقيق غايات سياسية تتخطى حدود إمكاناتنا، ويجب أن يدرك أوباما أن هذه المقاربة ليست منطقية بأي شكل.

أكثر ما يثير الريبة في خطاب أوباما كان غياب أي أفكار جديدة أو واضحة على الأقل، لقد وجدنا صعوبة في تحديد ما إذا كان متمسكاً باستراتيجية مكافحة التمرد أو انتقل إلى مقاربة مكافحة الإرهاب، أو ربما يتبنى المقاربتين معاً، فلم يبرز أي مؤشر على أنه فكّر باحتمال أن الحرب لا ترتكز على أسس منطقية لتحقيق مصالحنا الوطنية، بل يتحكم بها مبدأ القصور الذاتي.

كذلك، لم يتبيّن أنه فكر مليّاً بالحلول الرامية إلى وضع الحرب في سياق سياسة خارجية أشمل، فلا يمكننا «التهرب من مسؤولياتنا»، ولكننا لا نستطيع «المبالغة في التدخل»، لذا علينا أن «نخطط لرسم مسار محدد»، ويجب أن نكون «براغماتيين ومتحمّسين في آن، واستراتيجيين ومصمّمين في آن»، فإذا فهم أحد معنى هذا الكلام، يُرجى إبلاغنا فوراً. على صعيد آخر، اعتبر أوباما أنّ أي تدخل عسكري يفرضه الوضع القائم يجب أن يتخذ طابعاً دولياً لا أحادي الجانب، وذكر ليبيا كمثال على ذلك، مع أن قوات حلف شمال الأطلسي مسؤولة عن العملية العسكرية هناك بالاسم فقط، فلا شك أنه لم يسمع خطاب وزير الدفاع المنتهية ولايته، روبرت غيتس، حين حذر من أن منظمة حلف شمال الأطلسي بدأت تتحول إلى مهزلة فعلية.

كان الرئيس واضحاً جداً في ما يخص نقطة واحدة: حتى الآن، لا تزال الحرب مستمرة!

* يوجين روبنسون | Eugene Robinson