الفقر والجوع هما المدخل لعدم الاستقرار في العالم، والتفاوت في مستويات الدخل والمعيشة بين البشر هو العنصر الأساسي الذي يُفقِد البشر كرامتهم، وبدون التعامل بجدية مع هذه المسائل فإننا ندور في حلقة مفرغة، بل إن المسألة تصبح أكثر فداحة عند حدوث الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والجفاف والمجاعات.
وعبر السنين سعت بعض الدول الغنية إلى محاولة التعامل مع الأزمات والكوارث وما ينتج عنها من مآسٍ إنسانية، إلا أن أداء تلك الدول والمجتمع الدولي بعمومه كان يترنح ويتساقط تحت تأرجح الأولويات وسوء الإدارة والمبالغة في التسييس، ومازالت تلك المشاكل والسقطات مستمرة حتى يومنا هذا.وعلى أثر الشعور بالعجز ورغبة في تحسين أداء الدول المانحة تم تأسيس منظمة دارا الدولية غير الحكومية، ومقرها إسبانيا، والتي قامت بتأسيسها الناشطة سيلفيا هيدا لغو، والتي أصدرت تقريرها الخامس قبل بضعة أيام، الذي يصدر عادةً بعنوان "مؤشر التفاعل الإنساني" ويغطي كيف تفاعلت الدول المانحة مع 9 كوارث وأزمات حدثت خلال 2011، في كل من تشاد وكولومبيا والكونغو وهاييتي وكينيا والأراضي الفلسطينية المحتلة وباكستان والصومال والسودان، وفي المقابل غطى التقرير تفاصيل أداء 23 دولة مانحة لم يكن بينها دولة عربية أو خليجية للأسف، ولذلك حديث آخر، فالمسألة ليست توافر السيولة النقدية ولكن القرار السياسي.بل إن من ضمن الدول الـ23 دولاً غير معروفة بثرائها كاليونان والبرتغال، إذ تم تصنيفهما في مجموعة غير قابلة للتصنيف، لأنهما حتى 2010 كانتا من ضمن الدول المانحة إلا أنهما تراجعتا في 2011 بسبب تراجع مساهماتهما على المستوى الدولي، وهي مسألة مفهومة في إطار أزمات البلدين المالية.وقد صنف التقرير الدول المانحة إلى أربع مجموعات، الأولى وتمت تسميتها مجموعة الشركاء الرئيسيين، وشملت الدنمارك وفنلندا وهولندا والنرويج والسويد وسويسرا، وتتصف بكرمها في العطاء بموجب حساب نسبة المنح إلى الناتج القومي الإجمالي، والتزامها القوي بمبادئ التبرع الإنساني، واحترام الحياد والاستقلالية في تقديم المنح والمرونة في دعم الشركاء، أما المجموعة الثانية "التي تتعلم" فتتكون من كندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وبريطانيا وأميركا، وقد جاءت أميركا في قاع ترتيبها.وتتصف هذه المجموعة بقدرتها على التحرك السريع تجاه الأزمات والكوارث، إضافة إلى وجودها على الأرض واستعدادها للتعلم وتطوير ذاتها، أما نقاط ضعفها فتتمثل في الوقاية وتقليل المخاطر واحتمالات التسييس، وبالذات كونها لا تتمتع بسمعة جيدة، أما المجموعة الثالثة فهي "الفاعلة الطموحة"، وتشمل أستراليا وبلجيكا وألمانيا وإيرلندا وإيطاليا واليابان ولوكسمبورج وإسبانيا، وهي مجموعة متنوعة من حيث الحجم والقدرات وإن كانت قدراتها ضعيفة في العديد من المجالات.وتبقى المشكلة في أنه على الرغم من أن هناك منظومة دولية تسعى إلى التدخل للتخفيف من جوع وفقر البشر فإن ما يجري على الأرض مازال فيه الكثير من القصور، إذ بعضه متعمد وغيره ليس كذلك، أما الخلاصات التي توصل إليها التقرير فسنتابعها في المقال القادم.
أخر كلام
عالم جائع وآخر فاقع
14-03-2012