عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، أطلق الصديق الروائي السوري خالد خليفة نداءً، باللغة العربية والإنكليزية والفرنسية، وجهه إلى "أصدقائه الكتّاب والصحافيين في كل أنحاء العالم، وخاصة في الصين وروسيا"، وجاء في النداء: "أودّ أن أعلمكم بأنّ شعبي يتعرّض لإبادة جماعية، منذ أسبوع قامت قوات النظام السّوري بتصعيد هجماتها على المدن الثائرة، خاصة في مدن حمص والزبداني وريف دمشق والرستن ومضايا ووادي بردى وعين الفيجة وإدلب وقرى جبل الزاوية، ومنذ أسبوع حتى كتابة هذه السطور سقط أكثر من ألف شهيد بينهم عدد كبير من الأطفال، ودمرت مئات المنازل فوق رؤوس ساكنيها". وكأي كاتب روائي لا يملك بين يديه إلا حروف كلماته، ختم خالد خليفة رسالته قائلاً: "إنني لا أستطيع شرح كل شيء في هذه اللحظات العصيبة، لكنني آمل تحرككم للتضامن مع شعبي بالوسائل التي ترونها مناسبة، وأنا أعرف أنّ الكتابة تقف عاجزة وعارية أمام أصوات المدافع والدبابات والصّواريخ الروسية التي تقصف مدناً ومدنيين آمنين، لكن ليست لديّ أيّ رغبة في أن يكون صمتكم شريكاً في قتل شعبي أيضاً".

Ad

"خالد خليفة"، الذي عرفه القارئ العربي من خلال روايته الأهم "مديح الكراهية"، التي صدرت عام 2006، ووصلت إلى القائمة القصيرة في مسابقة جائزة الرواية العربية "البوكر"، ومنعت في سورية منذ صدورها، عاد ليدين الكراهية، وعاد ليستصرخ ضمير العالم ضد الكراهية. لكن الكراهية تأخذ معاني أخرى حين تتحول من هاجس أو فكرة أو سلوك لنبذ الآخر إلى قتل وتدمير أعمى، لا يميّز بين الصغير والكبير، ولا يقف أمام بيت أو مسجد أو كنيسة.

أي وحش مخيف يسكن قلب الإنسان حين يندفع لنفي وتدمير وقتل أخيه الإنسان، لا لشيء إلا لأن الآخر حمل فكراً مختلفاً، أو طالب بقدر من الحرية والعدالة والكرامة، أو أصرّ على نبذ الظلم والقهر والمذلة. إن التاريخ البشري ملون بالدم، وعلى امتداد الحياة البشرية، في شتى بقاع الأرض، لم يكن إلا القتل وسيلة لبقاء الأقوى، الذي لا يتورع في سبيل بقائه الأرعن ومجده الزائل واستحواذه على مقدرات بلدٍ بأكمله، عن تسليط الإنسان على الإنسان، لقتله وسحقه والتمتع في التمثيل فيه بعد موته!

منذ قتل قابيل أخاه هابيل، والإنسان هو الإنسان، مجبول على الوحشية، ومعجون بمناكفة الآخر وكرهه، وجاهز للانقضاض على خصمه وسحقه وإنهاء وجوده. لا الأديان السماوية بتعاليمها الربانية الواضحة، ولا الأنبياء بعذاباتهم وسلوكهم القدوة، ولا المفكرون ولا الفلاسفة ولا الأدباء ولا الفنانون ولا أي وسيلة كانت قادرة على ترويض الوحش والوحشية في الإنسان، والتقليل من إصراره الأعمى على نفي وقتل وسحق الآخر، متى ما وقف في وجهه وتحدى وهدد منصبه أو ثروته.

الأحداث الماثلة أمامنا اليوم، تظهر بما لا يدع مجالاً للشك، أن الإنسان وكلما مشى خطوة تسلح أكثر ببندقية، وكلما قطع شوطاً، ركب دبابة جديدة، وكلما انتقل إلى مسافة أبعد، حمل معه فكرة شيطانية أكثر لهدر دم الآخر، والتمتع بسحقه كأي حشرة صغيرة!

أيها الإنسان، أيها الوحش الكاسر، توقف للحظة عن ممارسة وحشيتك المجنونة!

أيها الإنسان الوحش، الرجل والمرأة، في البيت والشارع والعمل، على كرسي التواضع والحاجة، ومن فوق غطرسة كرسي القرار والحكم، إلى أين يأخذك جنونك في نفي وقتل وسحق الآخر؟

أيها الإنسان، لقد عملت جاهداً على ترويض بعض الحيوانات، وكان الأجدى بك ترويض حيوان قلبك، الذي يطل من خلف نظرتك الصفراء!

أيها الإنسان، ستبقى ضعيفاً، حتى لو طال بك الأمد، فإلى أين أنت سائر؟