ثلاث طرق لإنقاذ منطقة اليورو

نشر في 01-11-2011
آخر تحديث 01-11-2011 | 00:01
لا شك أن الحلول تتكامل جزئيا، ومن المؤكد أن تبنّي أي منها من شأنه أن يشكل علامة إيجابية، ولكن التحدي الذي يواجه أوروبا اليوم يكمن في نهاية المطاف في ضرورة اتخاذ القرار بشأن ما ينبغي أن يُقال للأسواق لإعطائها سبباً وجيهاً لاستعادة الثقة في مصداقية منطقة اليورو.
 بروجيكت سنديكيت منذ بداية صيف هذا العام، كانت الحلقات المتواصلة من الأزمة اليونانية سبباً في حجب أمر مثير للانزعاج الشديد تمثل بتشرذم منطقة اليورو، وهناك العديد من المؤشرات الكئيبة الدالة على هذا التطور.

فأولا، استمر اتساع الفارق بين سعر الاقتراض للبنوك وسعر "انعدام المجازفة" منذ شهر يوليو، وعلى نحو متزايد أصبحت المؤسسات المالية التي تحتفظ بأي قدر من السيولة تفضل إيداع أموالها لدى البنك المركزي الأوروبي، الذي كان لزاماً عليه أن يستأنف عمليات الإقراض للبنوك، وقد حدث نفس الشيء أثناء أزمة 2007-2008، ولو أن التحول كان أقل حِدة هذه المرة، حيث اقتصر على منطقة اليورو.

وفي لندن ونيويورك لا تزال سوق ما بين البنوك عاملة؛ ولكن هناك من الأسباب ما يدعو إلى القلق رغم ذلك.

وثانيا، تتقاضى البنوك عبر الحدود من شركات جنوب أوروبا أسعار فائدة أعلى مقارنة بما تتقاضاه من الشركات المماثلة في شمال أوروبا، الأمر الذي يزيد من الموقف سوءاً بالنسبة إلى الاقتصادات التي ضربتها الأزمة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تشرذم السوق الأوروبية التي يفترض فيها أنها موحدة، ولكن بدلاً من مكافحة هذا الميل، تعمل الأجهزة التنظيمية في شمال أوروبا على تضخيمه من خلال الحد من تعرض مؤسساتها المالية للبنوك في جنوب أوروبا.

وثالثا، لم يعد المستثمرون الدوليون ينظرون إلى سندات حكومات جنوب أوروبا كما ينظرون إلى نفس الفئة من الأصول التابعة لسندات حكومات شمال أوروبا، وهذا لا يتعلق ببساطة بسعر المجازفة، الذي يمكن عكسه بسهولة، وهو يشكل تغيراً عميقاً في الموقف، وإذا استمر هذا النهج في إقراض البنوك في جنوب أوروبا، فإن هذا يعني تعريض قدرتها على سداد ديونها وتعافيها الاقتصادي للخطر.

والواقع أن القرار الذي اتخذه المسؤولون في منطقة اليورو بإصلاح الرقابة على الحكومات والبنوك، وتعزيز صندوق الاستقرار المالي الأوروبي، كان موضع ترحيب كبير، ولكن من المؤسف أنه قرار جزئي، فما وراء مكافحة الحرائق، تكمن القضية الرئيسة في الحاجة إلى بناء اتحاد نقدي أكثر قوة.

فمن الواضح أن التشرذم المخيف الذي ألمّ بمنطقة اليورو يرجع في المقام الأول إلى الاعتماد المتبادل بين البنوك والحكومات، ففي منطقة اليورو أصبحت البنوك عُرضة لأزمات الديون السيادية لأنها تحتفظ بكميات ضخمة من السندات الحكومية، التي يتم إصدارها على نحو منتظم من قِبَل بلد المنشأ. كما أصبحت الحكومات من جانبها عُرضة للأزمات المصرفية لأنها مسؤولة بشكل فردي عن إنقاذ المؤسسات المالية الوطنية، وكل حلقة من حلقات الأزمة الحالية تصور بوضوح الهشاشة الناجمة عن هذا الاعتماد المتبادل.

هناك ثلاثة حلول ممكنة لهذه المسألة، ويعتمد الحل الأول على التدخل من قِبَل البنك المركزي في حالة تهديد سوق الديون السيادية. فمن المعروف أن وضع الموازنة في المملكة المتحدة أسوأ من الوضع في إسبانيا، ولكن اليقين المتمثل بحرص بنك إنكلترا على منع المضاربة على ديون المملكة المتحدة كان كافياً لطمأنة المستثمرين.

بيد أن البنك المركزي الأوروبي لم يكن مجهزاً بهذا التفويض، فقد لعب هذا الدور مع إيطاليا وإسبانيا، ولكنه قوبل بمعارضة شديدة في الداخل وقد يستسلم قريبا، وقد يلعب صندوق الاستقرار المالي الأوروبي الناشئ حديثاً دوراً مشابها، لولا أن موارده محدودة. أما عن تغيير صلاحيات البنك المركزي الأوروبي فإن ألمانيا قد تعترض، ولو لأسباب دستورية فحسب.

ويتلخص الحل الثاني في تعزيز قوة البنوك من خلال إعادة رسملتها، وإزالة الجدران التنظيمية التي تعزل الأنظمة المصرفية الوطنية من أجل الحد من فرط تعرضها لخطر عجز الحكومات عن سداد ديونها السيادية، والواقع أن منطقة اليورو سوف تتمتع بقدر أعظم من الصحة في ظل نظام مصرفي ممول على النحو اللائق ويحتفظ بأصول متنوعة ويخضع لهيكل إشرافي مشترك ونظام موحد للتأمين على الودائع، ولكن زعماء أوروبا قد لا يتمتعون بالجرأة الكافية لتبني مثل هذه الخطة بالكامل، ومن المرجح أن تتجلى هذه الحقيقة بوضوح عندما يتم الكشف عن تفاصيل برنامج إعادة الرسملة.

ويتلخص الحل الثالث في الحد من المخاطر السيادية من خلال إنشاء نظام للمراقبة وتوفير الضمانات المتبادلة بين بلدان منطقة اليورو، وهذا سيكون بمنزلة اتحاد مالي مخول بإصدار سندات اليورو، إلى جانب السيطرة المسبقة على إصدار الديون العامة. وربما كان هذا الاختيار بالغ الصعوبة على المستوى السياسي، سواء بالنسبة إلى البلدان الضامنة أو المضمونة، ولكن لعله الحل الأكثر عملية بين البدائل الثلاثة للمضي قدما.

لا شك أن هذه الحلول تتكامل جزئيا، ومن المؤكد أن تبنّي أي منها من شأنه أن يشكل علامة إيجابية، ولكن التحدي الذي يواجه أوروبا اليوم يكمن في نهاية المطاف في ضرورة اتخاذ القرار بشأن ما ينبغي أن يُقال للأسواق لإعطائها سبباً وجيهاً لاستعادة الثقة في مصداقية منطقة اليورو.

* جان بيساني فيري | Jean Pisani-Ferry ، أستاذ بكلية هيرتي للحوكمة (برلين) ومعهد العلوم السياسية (باريس) وهو يشغل حالياً منصب المفوض العام لإدارة الاستراتيجية الفرنسية، وهي مؤسسة استشارية سياسية عامة.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top