لو لم تشهد الكويت كل هذه "الدَّرْبكة" السياسية، التي ازدادت إيقاعاً عشية الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد أيام, ما كانت الكويت هي التي نعرفها منذ ستينيات القرن الماضي، وما كان شعبها هو الشعب الكويتي الحيوي والرافض بطبعه و"الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب" وما كانت صحافته بكل هذه الأعداد من الإصدارات اليومية، وما كانت هناك كل هذه الفضائيات وكل هذه المؤتمرات والندوات التي تزدحم بها الفنادق والجامعات والنوادي و"الديوانيات". هناك، وبعض هؤلاء أصدقاء ودافعهم الحرص على بلد بقي يقدم لأشقائه أكثر كثيراً مما يأخذ منهم، من يخاف ويخشى على الكويت من هذه "الدَّرْبكة" التي يصل ضجيجها إلى حيث تكون هناك شاشات فضائية، لكن على هؤلاء أن يضعوا في اعتبارهم دائماً وأبداً أنه لا خوف على بلد يتمتع شعبه بكل هذه "الأريحية" السياسية ولا يتردد حتى المواطن العادي في أن يقول رأيه في أكبر كبار المسؤولين خوفاً من زوار الفجر الذين لا وجود لهم في هذا البلد الذي بقي مستهدفاً وبقي كطائر "الفينيق" الذي يسميه العرب "العنقاء" والذي حسب الأسطورة اليونانية ينهض كل مرة من بين الرماد بعد إلقائه بين ألسنة النيران لتلتهمه. كانت هناك في الكويت صحافة حرة، كما هو الوضع عليه الآن وربما أكثر، في ذروة استبداد أنظمة الانقلابات العسكرية، وكان في الكويت حزب بعثٍ وله صحيفة تنطق باسمه، وحركة قوميين عرب، ولها صحيفة تنطق باسمها وقياديون معروفون يعبرون عن آرائهم بكل شجاعة وحرية، وفي الكويت في اجتماع على شاطئ الصليبيخات أُطلق اسم "العاصفة" على الذراع العسكرية لحركة "فتح"، والكويت هي التي احتضنت أكبر تجمُّع فلسطيني خارج فلسطين والأردن، والكويت بدأت مشروعها الثقافي العربي مبكراً، واستقطبت خيرة الكفاءات العربية فكانت مجلة "العربي" وكانت الإصدارات المميزة التي تشكل تراثاً مرجعياً لأجيالنا المقبلة، كما كانت، ولا تزال موجودة، كل تلك وهذه الندوات التي جعلت من هذا البلد الصغير جغرافياً الكبير بعطاءاته ومكانته "مثابة" حضارية خالدة. ولهذا، فإنه لا خوف على الكويت مادامت هناك كل هذه "الدَّرْبكة"، ومادام البرلمانٍ لا يكاد يحل حتى ينهض برلمان جديد مكانه، ومادامت هناك انتخابات فعلية وحقيقية، ومادام بإمكان كل كويتي أن يقول رأيه علناً وعلى رؤوس الأشهاد، ومادام هناك كل هذا الزخم الإعلامي، وكل هذه الأحزاب التي تعمل بأسماءٍ وبغير أسماء... وأيضاً مادام حادي المسيرة هو الشيخ صباح (أبو ناصر) الذي لم تختلط عليه الأمور في أي يومٍ من الأيام، والذي، ونحن نعرف هذا, بقي، وإن شاء الله سيبقى، ضمير الأمة كلها بلا ادعاء ولا صخب شعارات.
Ad