أوباما وعِلة الشرق الأوسط

نشر في 16-03-2012
آخر تحديث 16-03-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت لم يمر وقت يُذكَر منذ رَحَّب الرئيس الأميركي باراك أوباما بالقوات الأميركية العائدة من العراق وأثنى على الاستقرار والديمقراطية في ذلك البلد، قبل أن تندلع موجة غير مسبوقة من العنف- في مختلف أنحاء بغداد ومناطق أخرى- الأمر الذي كشف عن مدى خطورة الأزمة السياسية في العراق. ولكن هل نستطيع أن نعتبر هذه الأزمة مجرد استثناء مؤسف، أم أنها عَرَض من أعراض فشل دبلوماسية أوباما في الشرق الأوسط، من مصر إلى أفغانستان؟

عندما تولى أوباما منصبه، حَدَّد أربعة أهداف في الشرق الأوسط: تحقيق الاستقرار في العراق قبل رحيل القوات الأميركية؛ والانسحاب من أفغانستان من موقع القوة وعلى أساس الحد الأدنى من التقارب مع باكستان؛ وتحقيق إنجاز أكبر غير مسبوق في عملية السلام في الشرق الأوسط من خلال حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تجميد المستوطنات؛ وفتح الحوار مع إيران حول مستقبل برنامجها النووي. ولكن من الواضح أن أوباما لم يحقق في أي من هذه القضايا الكبرى إلا أقل القليل من الإنجاز.

فيما يتعلق بالعراق، كانت الولايات المتحدة منذ رئاسة جورج دبليو بوش تبذل قصارى جهدها لممارسة قدر ملطف من التأثير في قوة الشيعة، حتى يتسنى للبلاد أن تنشئ نظاماً سياسياً أكثر شمولا، على وجه التحديد، من خلال تمرير قانون جديد بشأن تقاسم عائدات تصدير النفط بين الشيعة والسُنّة والأكراد. ولكن من المؤسف أن ما حدث كان العكس تماما.

فقد شرعت كردستان في سلوك طريق نحو الاستقلال المتزايد، في حين أصبح السُنّة أكثر تهميشاً من قِبَل الحكومة المركزية الطائفية السلطوية التي يهيمن عليها الشيعة. وهذا من شأنه أن يؤثر في توازن القوى الإقليمية، لأن العراق يتقرب الآن من إيران من أجل موازنة نفوذ تركيا، التي يُعتَقَد أنها تحمي السُنّة.

ولقد كشف التعليق الذي ألقاه نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي أثناء رحلته الأخيرة إلى واشنطن، بأنه أكثر قلقاً إزاء تركيا مقارنة بقلقه من إيران، كشف عن الفجوة الهائلة بين العراق والولايات المتحدة، التي تبدو الآن وكأنها فقدت كل نفوذها السياسي المؤثر في الشؤون العراقية. بل في تطور مزعج قررت الولايات المتحدة الامتناع عن لعب ورقتها الأخيرة المتبقية في التعامل مع المالكي: وهي ورقة مبيعات الأسلحة.

الآن لم يعد هناك أدنى قدر من الشك في أن احتلال العراق كان بمنزلة هزيمة استراتيجية هائلة تكبدتها الولايات المتحدة، لأنه لم يسفر إلا عن تعزيز قوة إيران. وهناك رغم هذا افتقار واضح إلى أي رؤية متوسطة الأمد في التعامل مع خطورة الموقف، وهو الخطأ الذي سوف يكلف الولايات المتحدة ثمناً باهظاً إن آجلاً أو عاجلا.

ولا تخرج التوقعات عن واحد من أمرين: فإما أن يُسفِر إحكام تدابير الاحتواء على إيران من خلال العقوبات المفروضة على صادرات النفط عن نتائج إيجابية فيؤدي إلى إضعاف إيران، وإما أن يفشل الاحتواء فتنجرف الولايات المتحدة نحو حرب جديدة في الشرق الأوسط. ومن غير المستبعد أن تنظر بعد دوائر السياسة الخارجية في الولايات المتحدة إلى الأزمة العراقية المتفاقمة باعتبارها حجراً في بناء الحجة المؤيدة للتدخل العسكري في إيران.

ولكن أوباما لا يَسهُل خداعه، فقد سَجَّل عداء الكونغرس الأميركي تجاه إيران والرغبة في مواجهة الجمهورية الإسلامية عسكريا. ولكنه يعتقد رغم هذا أنه قادر على تجنب الحلول المتطرفة؛ فبالدبلوماسية من الممكن أن يحدث أي شيء، ولا أحد يستطيع أن يضمن نتائج أسوأ السيناريوهات على الإطلاق.

والمشكلة هي أن أوباما يميل بقوة إلى المبالغة في تصوير قدرة أميركا على التأثير في أطراف فاعلة أكثر ضعفا، وما ينطبق على العراق ينطبق أيضاً على أفغانستان: فبوسع أوباما أن يتفاخر بالقضاء على أسامة بن لادن، وهي عملية ناجحة بلا أدنى شك، ولكنها فشلت في معالجة أصل المشكلة. فعلى الرغم من الوجود العسكري عشر سنوات، ونشر أكثر من مئة ألف جندي بتكاليف بلغت 550 مليار دولار، لم تنجح الولايات المتحدة في إيجاد بديل معقول لطالبان. والأسوأ من ذلك كان انهيار تحالفها السياسي مع باكستان.

الواقع أن العلاقات الأميركية الباكستانية تراجعت إلى مستواها قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو الوقت الذي اتسم بانعدام الثقة العميق بين الطرفين. ومن الواضح أن قادة باكستان يتحملون قدراً عظيماً من المسؤولية عن هذا الوضع، ولكن الولايات المتحدة كانت عاجزة عن إشراك باكستان في حل الصراع الأفغاني، ويعكس هذا الفشل ببساطة رفض أميركا إعطاء الباكستانيين ما أرادوه: أو تحويل موازين القوى الإقليمية لمصلحة باكستان على حساب الهند.

ونتيجة لهذا، جَمَّدَت باكستان التعاون مع الولايات المتحدة، لأن زعاماتها لم تعد ترى الكثير من المكاسب المحتملة في محاربة طالبان. ومكمن الخطر هنا هو أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى فرض العقوبات على باكستان من جديد عندما يبدأ الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وهي العملية التي قُدمت إلى العام القادم بدلاً من عام 2014. فباكستان دولة نووية غير جديرة بالثقة، وقد ترد بتعزيز علاقاتها بالصين ونشر الإرهاب الإسلامي.

ولقد سعى أوباما أيضاً إلى استخدام النفوذ الأميركي لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني كجزء من استراتيجيته في التعامل مع الشرق الأوسط الكبير، ففي مستهل الأمر تصور أنه قد ينجح من خلال الضغط على نتنياهو لتجميد بناء المستوطنات في إحياء عملية السلام، ولكن حليفه الذي يدرك مدى أهمية القضية الإسرائيلية بالنسبة إلى السياسة الداخلية الأميركية كان أكثر منه سرعة وأشد براعة. فمن خلال وضع أوباما في صراع مع بقية المؤسسة الأميركية، نجح أوباما في إرغامه على التراجع.

وفي عام 2009، فكر أوباما في تسوية النزاع من خلال الالتزام القوي من جانب المجتمع الدولي، وفي عام 2011، أكَّد أن استعداد الجانبين وحده الكفيل بضمان نتيجة ناجحة، ومن الواضح أن الولايات المتحدة غير قادرة على القيام بالكثير لحل هذا النزاع.

الواقع أنه لا يوجد تفسير واضح شامل لإخفاقات أوباما المتوالية في الشرق الأوسط، ولكن هناك بضعة عوامل تستحق النظر: زيادة عدد الصراعات غير المتكافئة، حيث يفتقر الاستخدام التقليدي للقوة إلى الفعالية؛ وحيث تتداخل الخطوط بين صعوبة الحلفاء وتعنت الخصوم؛ وحيث تبرز الخلافات السياسية الكبرى بين رئيس الولايات المتحدة الوسطى والكونغرس الذي تهيمن عليه الأفكار المتطرفة أكثر من أي وقت مضى.

ولكن أوباما ذاته يتحمل قدراً عظيماً من المسؤولية، فهو على النقيض مما قد يتصور المرء لا يملك رؤية استراتيجية حقيقية للعالم، وهي النقيصة التي انعكست في استسلامه السريع في مواجهة المعارضة التي استقبلت بها مقترحاته، ويبدو أن أوباما لديه دوماً خطة أساسية، ولكنه لا يجهز خطة بديلة أبدا، وعندما يتعلق الأمر بالإدارة الناجحة للسياسة الخارجية، فإن الخطة الأساسية لا تكفي أبدا.

* زكي العايدي، أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top