مرافعة : الطعن بالأحكام جريمة!
بعد صدور حكم محكمة الجنح المستأنفة بتأييد تغريم النائب فيصل المسلم في قضية إفشاء السرية المصرفية لحساب أحد عملاء بنك برقان هو سمو الشيخ ناصر المحمد، أظهر العديد من مرشحي انتخابات مجلس الأمة، بعضهم حديثو الترشح والآخرون من النواب السابقين ردود فعل عنيفة، حول الحكم القضائي الذي انتهى إلى إدانة المسلم، وتلك الردود تضاعفت بمجرد صدور قرار شطب النائب السابق فيصل المسلم استنادا لحكم المحكمة واعتبار اللجنة المكلفة فحص أسماء المرشحين أن الجريمة المدان بها فيصل المسلم هي من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة.ورغم أن النائب السابق فيصل المسلم لم يصدر منه أي تصريح صحافي بالحكم الصادر، إلا أن محاميه جابر الضبيعي أكد سعي هيئة الدفاع الى الطعن على الحكم بكل الأشكال المقررة قانونا وأن الدفاع جاهز لتقديم الردود القانونية التي تؤكد أن الجريمة التي صدر بها حكم الغرامة ليست من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، إلا أن بعض المرشحين ومنهم نواب سابقون سارعوا بإصدار بياناتهم الصحافية والتي تضمنت هجوما عنيفا على الحكم القضائي الصادر بتأييد الغرامة بحق المسلم بل ان البعض ذهب الى أبعد من ذلك مطالبا القضاء بالتراجع عن إصدار هذا الحكم القضائي وشخصيا لا أعلم هل المطلوب من القضاء أن يقوم بعمل استبيان قبل إصداره الحكم القضائي أم حملة تواقيع أم يستأذن النواب السابقين ممن هددوا بالنزول الى ساحة الإرادة أو ساحة العدل!
لا أعلم كيف للقضاء وهو بحد ذاته سلطة له أن يتعامل مع تلك التصريحات هو وشأنه بها طالما لم تصدر عنه أي ردة فعل لكن برأيي أن تلك التصريحات جرحت العدالة وضلت طريق القانون وصبت في خانة الطعن بالأحكام، وهو ما يوقع مصدرها تحت المساءلة الجزائية، فمساحة الحرية الواسعة وإن كانت تسمح لنا بانتقاد كل شيء إلا ذات سمو الأمير المصونة بموجب الدستور والقوانين الجزائية، إلا أن الدستور والقوانين الجزائية نفسها لم تسمح لنا بالنيل من أحكام القضاء وتشويه سمعته لمجرد أنه أصدر حكما قضائيا في دعوى منظورة أمامه، ورغم ما قد تثار من مبررات بأن هذه القضية ذات طابع سياسي ونيابي إلا أن القضاء تصدى لها وسيتصدى في القريب لقرار الشطب المطعون عليه وعلينا أن نحترم ما سيقرر. لا أعلم كيف سيكون شكل مصدري البيانات الصحافية التي هاجمت القضاء وأوصمت أحكامه بانها "داست بالدستور وأنها متعسفة" وغيرها من العبارات المسيئة، كيف سيكون رأيهم في ما لو أصدر القضاء حكما بإلغاء قرار وزارة الداخلية بشطب المسلم وسمح له بالترشح مجددا، فهل سيمدحون القضاء ويشكرونه؟ أم سيعلقون على الحكم بأن القضاء خضع لردود فعل الشارع وأعاد المسلم للترشح؟للأسف لا نجيد لغة التخاطب مع الدستور ذاته نلوم القضاء ونعيب أحكامه لأنه التفت عن تطبيق نص المادة 110 من الدستور بحسب زعم البعض وهو ما يعد مخالفا لنصوص الدستور وفي ذات الوقت نهاجم القضاء ونتهكم على احكامه ونلمز بعدم استقلاله وتبعيته للسلطة التنفيذية ألا يعد ما نقوم به من سلوك بشع وغير لائق بحق الأحكام القضاء مخالفا لالدستور بل ومجرما جزائيا ومهدرا لقيمة الأحكام القضائية، فالدستور يا سادة ليس محصورا بالمادة 110 وإنما الدستور كل لا يتجزأ ومن يطالب باحترام نصوصه وأقسم في السابق وقد يقسم قريبا عليه مجددا أن يلتزم بتطبيق نصوصه كاملا وبثبات. إن كان مبرر الهجوم على الأحكام القضائية من أنها التفتت عن التطبيق الصحيح لنص المادة 110 من الدستور، فالقضاء انتهى صراحة إلى أن ما قام به المسلم مخالف للقانون وبالتالي كل ما علينا أن نتعامل مع الأمر بذات الأداة وهي القانون، وهو الذي سمح لنا بالطعن على الحكم أمام محكمة التمييز رغم أنه مقصور على الاحكام الصادرة بالحبس، إلا أنه لا يمنع أن محكمة التمييز تنظره أو حتى إقامة تمييز على الشق المدني المحكوم به من محكمة الجنح المستأنفة، واللجوء إلى لجنة فحص الطعون في المحكمة الدستورية خاصة وأن محكمة الجنح المستأنفة أيدت ما ذهبت إليه محكمة أول درجة في ما انتهت إليه بعدم جدية الدفع بعدم الدستورية.