دلال جازي

نشر في 30-10-2011
آخر تحديث 30-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 ناصر الظفيري الكتاب الأول هو الكتاب الأكثر إرباكا للكاتب بشكل عام وللكاتب المبدع بشكل خاص. الكتاب الأول هو فاتحة العناوين الموحية والدالة على ما سوف يأتي. هو ليس شهادة الميلاد، ولكنه شهادة التكوّن وهو العدسة الكاشفة التى تسبر روح المستقبل الابداعي لصاحب الكتاب. الكتاب الأول هو الذي يحمل النبوءة فيأتي بالبشارة المبكرة للابداع أو احتمالية الابداع أو القطع بانعدامه.

أما أن يأتي الكتاب الأول حاملا تجربة مثقلة بالابداع والتشكل والتفرد والتميز وكأنما كاتبه قد أنجز مشروعا سابقا لا نعرفه واختتمه بالكتاب الأول فهى تجربة لم أتعرف عليها الا مرتين في حياتي الأولى للروائية توني موريسون في "العيون الأكثر زرقة" كتابها الذي فاز بجائزتى البوكر وجائزة نوبل والثانية لدلال جازي في "تشريح الأرنب الأبيض".

لم أقرأ لدلال جازي نصا واحدا من قبل وقرأت النصوص دفعة واحدة، وربما هذا كان سبب اصابتى بالدهشة الكاملة وما يشبه الذعر الانساني الذي ينتابك بعد كل نص. لا أعرف دلال جازي ومن خلال النصوص توقعت أنها تعمل في مختبر طبي أو مختبر انساني ومن خلال النصوص توقعت أنها دارسة لأدب أجنبي أو فلسفة بلغة غير العربية لكنها حتما تفكر خارج محيطها الضيق وتمد لسانها لواقعها وواقعنا وتضحك بصوت عال أو تموت ببطء.

في عمل دلال جازي أنت بحاجة الى عين أولى تنظر للنص وأخرى تنظر الى خدعة النص، شيء ما يشبه أن تقابل انسانا فتترك عينا على عينيه وأخرى على يده التى خلف ظهره ان كانت تحمل وردة أوسكينا، وأنت بحاجة الى وعي أول يدرك مدار المعنى الأول ووعي آخر يبحث في المعنى المختبئ خلف المعنى الأول. ففي قصيدة السقف:

"ان حاول أن يرى السماء لن يعود سقفا/ فلكي يرفع رأسه سيكف عن تغطية ما تحته/ لذا سيظل دائما يظن أن ليس ثمة ما هو أعلى"

اذا لم تمتلك عينا أخرى ووعيا آخر فستظل محصورا في اطار المعنى الأول للنص ولن ترى أبعد من السقف الذي فوق رأسك أو في القصيدة.

تجاوزت دلال جازى جميع أقرانها ومن سبقوها في الكويت في كتابها الأول لعدة أسباب، أهمها على الاطلاق ايمانها الكامل بمقدرتها الذاتية على التكون بعيدا عن تأثير الآخرين الذي يخلق نسخا متشابهة من الكتّاب كالنقانق لا تختلف شكلا أو طعما أو لونا، وقدرتها العجيبة في الخروج الى رحابة العالم الانساني وأنسنة الجماد وانتهاء بالتنوع المعرفي والانتقاء الجاد لقراءاتها ومشارب معارفها.

كان ايمان دلال بالشكل المتكامل لقصيدة النثر فلم تضطرب قصيدتها ولم تصب بداء الرهبة الذي يصيب أغلب كتابها فجاءت قصيدتها مكثفة مثقلة بهمها الانساني. سأنقل هذا النص لدلال جازي بتصرف

"ظلي يشبه شباك الصيادين/ ولأنه هكذا أسحبه خلفي/ في الظهيرة وأنا عائدة الى المنزل/ ظلي التف على قطة/ وعلى ظل رجل حملوه في سيارة اسعاف/ ولأنه كان ثقيلا/ ولأنني عجزت عن الفكاك من هذا الحمل/ بقيت في مكاني دون حراك/ على بعد مترين من عتبة الباب/ الى أن جاء المساء".

هل هناك ذعر انساني أكثر من هذا؟

back to top