تصريح النائب محمد هايف، الذي قال فيه إنه سيستفتي العلماء بإهدار دم السفير السوري في الكويت، خطير جداً، ولا يمكن التغاضي عنه أبداً، فالرجل الذي انتخبه الشعب ليشرّع القوانين مرجعيته فتاوى شيوخ الدين وما يوصون به، وهو يؤكد ما قلناه مراراً من أن معظم نواب التيار الديني لا يعرفون معنى الدولة المدنية أو القانون أو الدستور، ويعيشون في زمن غير زمننا وعالم غير عالمنا!

Ad

نقول هذا وليس في قلوبنا ذرة تعاطف مع السفير السوري الذي يمثل نظاماً دموياً مجرماً لا يستحق الاعتراف به أو التعاطي معه، فقد أسقطت دماء الشهداء هناك شرعيته منذ زمن، وكان يكفي النائب المحترم بدلاً من استفتاء العلماء بهدر دم السفير أن يطالب الحكومة- كما فعل بعض زملائه- بطرده ووقف التعامل مع نظامه الذي فاق بانتهاكاته لشعبه كل التصورات، وأثبت همجية وتخلفاً لا نظير لهما، ووجود ممثل لنظام كهذا بيننا عار وسبّة في جبيننا!

لكن مشكلة "هايف" وغيره من هواة التصريحات النارية، أنهم لا يدركون خطورة الأفكار التي يغرسونها في رؤوس العامة، وبشكل خاص بعض صغار السن من المتحمسين لأداء أي مهمة دموية دون التفكير لحظة في صواب ما يقومون به أو خطئه، فما يهم هو أن "الشيخ" قد أفتى بهدر دم فلان أو علان من الناس، وعليهم أن يقوموا بالتنفيذ فوراً!

ويبقى سؤال بريء يطرح نفسه: ماذا لو أن "العلماء" أفتوا نائبنا المحترم بهدر دم السفير السوري، هل سيقوم سيادته أو أحد من أقربائه بتنفيذ ذلك، أم سيتولى "كالعادة" واحد من أبناء الناس "الطيبين" ذلك؟!

***

منظر أحد أبناء الرئيس المخلوع "حسني مبارك" خلف القضبان، وهو يحمل في يده نسخة من القرآن أثناء محاكمته وبقية شلة الحزب الفاسد، أثار ضحكي وحزني في الوقت ذاته، ضحكت لأن الخدعة قديمة استخدمها صدام حسين قبله لاستدرار عطف المتابعين لجلسات محاكمته وإقناعهم بأنه إنسان مؤمن تقي ورع يقرأ كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار!

وحزنت لأنني أعلم أن هذه الخدعة "بالذات" ستنطلي على ملايين العرب حتى إن تكررت عشرات المرات، فقد نسوا من قبل كل ما قام به صدام حسين تجاه شعبه وجيرانه العرب والمسلمين من مآس وفظائع طوال فترة حكمه، فهؤلاء الطغاة يلعبون دوماً على الوتر الديني المسيطر على عقول البسطاء من شعوبنا- وهم الأكثرية- مراهنين على ذاكرتهم الضعيفة، ولو أن أمر صدام حسين ترك لاستفتاء عربي يدينه أو يبرأه، لأخذ البراءة بامتياز، ولعاد إلى السلطة من جديد بدلا من التعلق بحبل المشنقة!

وغداً، أو بعد غد، سيأتي من يقول لك إن حسني مبارك وأبناءه قد تابوا وعادوا إلى الله، وإنهم- والله- متدينون من الأساس والفساد كان في بطانتهم فقط، فنحن شعوب ذاكرتها كذاكرة الذبابة، يكفينا يومين أو ثلاثة لننسى ما جرى عبر عقود من الزمن!

***

حقيقة، وبكل أمانة، أود أن أشكر كل القائمين على صناعة المسلسلات الكويتية التي تعرض في رمضان هذا العام، فقد قدموا لي مقياساً جديداً أقيس به شخصيات من هم حولي من الأصدقاء والأعزاء، وهل هم "تكانه" أم "لك عليهم"، وأصبح في نظري كل من يتابع "جاداً" المسلسلات المحلية الحالية، والتي لا علاقة لها بواقعنا أو أسلوب حياتنا أو طريقتنا في الكلام أو ردود أفعالنا، إنساناً إما غير طبيعي وإما أنه يعاني طفولة متأخرة، لأنه لا يمكن لإنسان طبيعي وراشد أن يتابع هذه "الإبداعات" الفنية، دون أن يشعر بالغباء يحيط به من كل جانب!