قالوا حلاوة روحهِ رقصت بـه

Ad

فأجبتهم ما كـلُّ رقصٍ يُطـربُ

هذا البيت من قصيدة للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان شقيق فدوى طوقان عنوانها: «الحبشي الذبيح»، وقد وصف فيها حالة شعبه في أربعينيات القرن الماضي عندما اشتد ضغط المشروع الإمبريالي الصهيوني عليه،  وكانت النتيجة إعلان الدولة الإسرائيلية في الخامس عشر من مايو عام 1948.

وهذا البيت للشاعر الفلسطيني, الذي لم يمهله القدر ومات في ريعان شبابه, ينطبق على «الأخ قائد الثورة», الذي كانت ثورته وستبقى أضحوكة العالم فـ»عميد القادة العرب» الذي نصَّب في هذا الموقع, غير المعترف به من أي حاكم عربي, حسب الأقدمية لا حسب الكفاءة ولا الدور الإيجابي الذي لعبه في «الفضاء العربي».

كل هذه التصريحات التي يطلقها ابن البادية... ابن الخيمة... الثائر الذي قام بانقلابه واحتل إذاعة ليبيا القريبة من أهم القواعد الأميركية في هذه المنطقة في ذلك الحين بسيارة شرطة واحدة وبرشاش واحد غير محشو بالرصاص هي كرقصة «الحبشي الذبيح»، وهدفها تحسين شروط استسلامه ورحيله بإيهام الآخرين بأنه صامد وقادر على الاستمرار بالصمود مع أنه ينهمك من خلال نجله «سيف الإسلام» في مفاوضات للرحيل بأهله وأمواله وكتابه «الأخضر» إلى دولة تقبل استقباله وأغلب الظن أنها ستكون جنوب إفريقيا!

لم يشهد التاريخ العربي ولا التاريخ الإسلامي أيضاً حالةً «كاريكاتورية» كحالة العقيد القذافي فهو بدأ, بقرار من جمال عبد الناصر, أميناً للأمة العربية ورفع شعار «الوحدة» ثم ارتد بعد أن «سخَّف» هذه الوحدة وجعل مجرد ذكرها يثير الضحك والاستهجان، واتجه نحو «الفضاء»الإفريقي ووضع خريطة إفريقيا فوق صدره بعد أن أعطى نفسه لقب «ملك ملوك إفريقيا»، وذلك مع أنه لم تعد توجد في هذه القارة إلا المملكة المغربية العظيمة فعلاً بعد أن قضى «الرفيق» هيلا ماريام على إمبراطورية هيْلا سولاسي وأنهى إمبراطورها بإغراقه في أحد المرافق الصحية العامة مقلوباً، رأسه إلى الأسفل وقدماه إلى الأعلى.

لم يُبقِ «عميد القادة العرب», الذي بعد أن يغادر في أي لحظة لن يسمع من الذين قال إنه عميدٌ لهم كلمة وداع واحدة، بل إن بعضهم سيطلب «جرّةً» ليكسرها وراءه, من رفاق رحلة «الفاتح» من عام 1969 إلى إذاعة ذلك الرجل الطيب إدريس السنوسي أحداً، وكانت البداية بإلقاء عمر المحيشي من مروحية, حلَّقت في السماء حتى آخر مدىً لها, في مياه خليج «سِرْت»، واستمر في التخلص منهم واحداً بعد الآخر حتى لم يبقَ إلا الجنرال (أبو بكر يونس) الذي مع أن المفترض أنه قائد الجيش الأخضر إلا أنه لم يظهر منذ فبراير الماضي وغير معروف ما إذا كان قد أصبح تحت الثرى أم معتقلاً في زنزانة انفرادية.

كان عبدالسلام جلود يُعتبر ساعده الأيمن وكان الأكثر تشدداً و»راديكالية»، وقد كلفه «الأخ قائد الثورة» بمتابعة تكليف بعض الفصائل التي تسمي نفسها, زوراً وبهتاناً, فلسطينية مع أنها كانت ولاتزال «بنادق للإيجار» بالتخلص من رموز المعارضة الذين تركوا جماهيرية القذافي له ولأولاده وفرُّوا إلى الخارج، ثم وبعد القيام بهذه المهمة بادر «عميد الحكام العرب» إلى إلقاء القبض على رفيق السلاح، وأمر بحلق شعر رأسه وإيداعه في زنزانة انفرادية أخرجه منها بعد وساطات كثيرة ووضعه قيد الإقامة الإجبارية إلى أن فرَّ بنفسه وبعائلته قبل أيام إلى إيطاليا.

الآن انتهت المسرحية وبدأت الستائر السوداء تخفي هذا المسرح الهزلي المقرف الذي استمر أربعين عاماً التي بقدر ما كانت مضحكة كانت أيضاً دامية ومبكية لشعب لو أن الله جنبه اختبار الفاتح من عام 1969 لكان الآن في بحبوحة يحسده عليها العالم وينعم بديمقراطية كان قد وضع لبناتها الأولى إدريس السنوسي... ووداعاً يا قائد الثورة التي كانت كذبة كبرى وداعاً لا لقاء بعده.