هل أنا في مشكلة؟!

نشر في 25-10-2011
آخر تحديث 25-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. ساجد العبدلي يحكى، وأظنها قصة غير حقيقية، أنه عرض على ابن سينا مريض أعيا الأطباء أمره، فلما خاطبه واستخبر قصته تبين له أنه عاشق مريض بمرض "الحب"، لكنه أبى أن يفصح عن اسم محبوبته، فعلم ابن سينا ألا سبيل لعلاجه إلا بمعرفة اسم محبوبته والتعامل بعدها مع ما عنده من عواطف سببت له علته.

تحكي القصة أن ابن سينا أمر بإحضار أعرف العارفين بشوارع وأحياء المدينة وسكانها، فجاؤوا به فأجلسه إلى جانبه وطلب من هذا الخبير أن يعدد أحياء المدينة حيا حيا، ففعل وابن سينا قابض على رسغ المريض العاشق يجس نبضه في ذات الوقت، فلما ذكر الرجل اسم حي معين تسارع نبض العاشق! فطلب ابن سينا من الخبير أن يعدد أسماء شوارع ذلك الحي ففعل، ولما ذكر اسم شارع محدد منها تزايد النبض أكثر، فطلب منه أن يعدد أسماء أصحاب البيوت في ذلك الشارع ففعل، ولما ذكر اسم بيت منها تزايد نبض العاشق أكثر، فطلب ابن سينا من الخبير أن يخبره بسكان ذلك البيت من الفتيات، فلما أتى على اسم إحداهن صار نبض المريض أسرع ما يكون، فالتفت ابن سينا إلى العاشق المريض قائلا له، أهي محبوبتك فأجابه أن نعم!

هذه القصة التي كنت قرأتها في كتاب «هل فات الأوان لتبدأ من جديد؟» لباسل شيخو، تنتهي إلى هذا الحد، ولا أدري إن كان ابن سينا قد تمكن بعدها من تزويج المريض العاشق من محبوبته، أو أنه قد أخضعه لعلاج نفسي لعلاجه من الآثار الانسحابية فصرفه عنها إلى من سواها، أو أن العاشق، وهذا محتمل أيضا، قد قضى نحبه من اضطرابات القلب الناتجة عن العشق.

بالرغم من أن القصة خيالية بعض الشيء "وقوية" كما نقولها في اللغة الدارجة، إلا أنها ليست بعيدة كثيرا عن الحقيقة. لا أعني الجزئية المتعلقة بأن من يعشقون قد يمرضون، ولا أعني طريقة فحص العشاق من خلال جس نبضهم، لكن ما أقصده هو أن نفس الإنسان تقع يوميا تحت عشرات المؤثرات والضغوط الخارجية، من مختلف الأنواع والمصادر، كالعمل والبيت والشارع، وبمقدار ما أنها تتأثر نفسيا بذلك، فإنها قد تعكس هذا التأثر في هيئة اعتلالات عضوية يمكن لها أن تكون غريبة أحيانا، وقد لا تتوقف عند تسارع النبض مثل صاحبنا العاشق الولهان الذي قبض عليه ابن سينا بالجرم المشهود!

سأوضح أكثر من خلال مثال. تشير بعض الدراسات الطبية إلى أن قرابة 20 في المئة من حالات آلام أسفل الظهر، والتي هي بالمناسبة السبب الأول في قائمة أسباب التغيب المرضي عن العمل، تعود لأسباب نفسية بحتة ولا علاقة لها بأي خلل أو إصابة عضوية، بل أزيدكم بأن بعض الدراسات الطبية تشير إلى أن الضغوط الناشئة عن العمل ومصاعب الحياة هي من أهم الأسباب النفسية المؤدية إلى آلام الظهر والاضطرابات المعوية والصداع واضطرابات النوم وغير ذلك!

الإنسان الذي يتجاهل، أو يجهل، مسببات هذه الاعتلالات الصحية الظاهرية قد يدخل نفسه في دوامة لا تتوقف من المشاكل الوظيفية والحياتية والنفسية، مما يوصله في بعض الأحيان إلى حالة بالغة السوء وربما إلى شفير الانهيار، لكن علاج الأمر في الحقيقة ليس بتلك الصعوبة، وإن كان أحيانا قد يتطلب بعض الوقت.

كل ما يحتاجه الإنسان أن يعترف أولا بأنه يعاني مشكلة في عمله أو حياته الاجتماعية أو علاقاته وأنه عاجز عن معالجتها بنفسه، ويحتاج إلى المساعدة، ثم يسعى إلى استشارة العارفين المختصين القادرين على مساعدته، وهنا سأختم بالقول: لينظر كل واحد منا إلى أوضاعه، وليسأل نفسه، هل أنا من هؤلاء يا ترى؟ هل تراني أنظر في الاتجاه الخطأ بحثا عن سبب لمشاكلي؟ هل أنا بحاجة للمساعدة؟ هذه أسئلة مهمة جدا، وطرحها والإجابة عنها بصدق هما أول طريق العلاج.

back to top