النظام السوري كسائر الأنظمة العربية التي مستها أمواج التغيير لم يستوعب الدرس ولم يقرأ الحاضر وليس فقط التاريخ، فغرق في الأخطاء القاتلة نفسها التي ارتكبتها حكومات مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين فأوصلت العلاقة بينها وبين شعوبها أو قطاعات واسعة جداً منها إلى نقطة اللاعودة.

Ad

التفاعل الشعبي مع قضايا الأمة العربية ليس بغريب على المجتمع الكويتي حتى قبل مرحلة الاستقلال، خصوصاً إذا كانت ذات علاقة مباشرة بمصير الشعوب ومطالبتها بالحريات السياسية والدعوة إلى التغيير والمشاركة الحقيقية في صنع القرار ورسم مستقبلها.

ومن الناحية المبدئية فإن ما ينطبق على مجمل الحالة العربية الراهنة في ظل الحراك الشعبي المتوقد وما يعرف بربيع الشعوب يسري على الوضع المحزن والدامي في سورية، حيث استبدلت لغة الحوار والخطوات الجادة من أجل الإصلاح إلى لغة القتل وإراقة الدماء وما سيعقب ذلك من كل أشكال الدمار على كل الصعد.

والنظام السوري كسائر الأنظمة العربية التي مستها أمواج التغيير لم يستوعب الدرس ولم يقرأ الحاضر وليس فقط التاريخ، فغرق في الأخطاء القاتلة نفسها التي ارتكبتها حكومات مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين فأوصلت العلاقة بينها وبين شعوبها أو قطاعات واسعة جداً منها إلى نقطة اللاعودة، ولم يعد تاريخ الصمود والمقاومة ضد إسرائيل ولا القومية العربية وغيرتها شفيعة لإنقاذ النظام، ولهذا فقد بدأ الخناق يضيق عليه وسط التركيز الإعلامي المكثف وتحرك القوى الإقليمية والعالمية، كل ذلك بسبب التلكؤ والتردد في امتصاص المد الشعبي والرهان على الوقت دون اتخاذ قرارات جذرية وحقيقية وفورية وتضحيات سياسية من أجل ولادة جديدة لنموذج تعددي كان ليحظى بترحيب غير مسبوق، وهذا مع الأسف الشديد ديدن الكثير من الأنظمة العربية التي تقود شعوبها دائماً إلى مستقبل مجهول لا يعرف فيه سوى الدمار والتخلف وتراكم المشاكل والبدء من الصفر على أنقاض الماضي التعيس.

ولهذا، فإن موقفنا من الأحداث الدامية في سورية منذ اليوم الأول ما كان ليختلف عن مثيلاتها من الحراك الشعبي المنطلق من تونس ومصر ومن بعدهما اليمن وليبيا ومروراً بالبحرين والمتمثل بعدم وجود خيار آخر غير الوقوف مع مطالب الشعوب، وكتبنا مع بدايات الثورة التونسية بأن المنطقة العربية باتت البقعة الوحيدة في هذا العالم المستمرة في ظل أنظمة سلطوية ونماذج الحكم الفردي، التي ستجرفها رياح التغيير عاجلاً أم آجلاً، وسوف لا تميز هذه الرياح أياً من هذه الأنظمة مهما كانت مسافات الرضا عنها سياسياً أو إيديولوجياً أو تبعاً لميول مذهبية أو بناءً على مصالح ومعادلات إقليمية ورهانات دولية تعيش مرحلة انتقالية غير مستقرة.

ومن هذا المنطلق كنا ندعو ولا نزال بأن يكون التفاعل الشعبي الكويتي مع قضايا أشقائنا وآلامهم وطموحاتهم من المحيط إلى الخليج ثابتاً ومبدئياً وأن تكون الثقافة السياسية الكويتية مظلة واحدة للدفاع عن كل مظلوم وكل من ينادي بالديمقراطية والحرية والكرامة، وأن تكون شوكة في عين كل نظام قمعي ودموي، لأن القادم من الأيام هو عصر الشعوب، خصوصاً الأجيال اليافعة منهم المنتظر منهم رسم مستقبل هذه المنطقة المنكوبة لعقود قادمة من الزمن، مع خالص دعائنا لهم بالتوفيق ولو لمرة واحدة بعد الانتكاسات المتتالية على مدى مئات السنين!