على الرغم من كل ما قيل سواء من قبل المهتمين بقضايا حقوق الإنسان، أو من قبل المنظمات الدولية الإنسانية؛ مثل "آمنستي إنترناشيونال" أو "هيومان رايتس ووتش"، من أن الخيار الأمني الذي اعتمدته الحكومة وطبقته بعد التحرير لمعالجة مشكلة "البدون" الإنسانية التي ازدادت تعقيدا مع مرور الزمن نتيجة لعجز الحكومات المتعاقبة عن حلها هو خيار فاشل.

Ad

إلا أن من الواضح أن سياسة الحكومة لا تزال ترتكز على الجانب الأمني فقط، وهذا ما يفسر الاستخدام المفرط للقوة غير المبررة أثناء المظاهرة السلمية المحدودة التي جرت في منطقة "تيماء" يوم الجمعة الماضية، وقام بها عدد محدود من "البدون" خرجوا إلى الساحة القريبة من مساكنهم "الكيربي"، يرفعون أعلام الكويت بعد أن تقطعت بهم السبل وضاقت بهم الدنيا لكي يبينوا حجم معاناتهم النفسية، ويطالبوا بحقوقهم الإنسانية الطبيعية، وما تلا ذلك من احتجاز لمجموعة من أفراد هذه الفئة المغلوبة على أمرها وبعض الصحافيين الذين كانوا يقومون بواجبهم المهني.

مأساة "البدون" مأساة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معان... لنقرأ ماذا تقول عنها إحدى أهم المنظمات العالمية لحقوق الإنسان، وهي "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها الذي أصدرته في يونيو الماضي:

تقول المنظمة "إن الكويت لم تقم بالوفاء بوعودها على مدار العقود بمعالجة طلبات المواطنة الخاصة بأكثر من 106 آلاف شخص بدون جنسية يعيشون في الكويت"، ثم تضيف "في الكويت، أحد أغنى دول العالم، البدون يعيشون خارج إطار المجتمع العادي وهم في عرضة للمخاطر ودون تدابير حماية، والكثير منهم يعيشون في فقر، وقد رفضت الحكومة منحهم الوثائق الضرورية، ومنها شهادات الميلاد والزواج والوفاة، وكذلك إتاحة ارتياد المدارس وفرص التوظيف القانوينة".

ثم تقول مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة "حرمان البدون من وثائق الهوية الأساسية على أساس وجود أدلة سرية تفيد بأن لهم جنسيات أخرى هو عمل تعسفي إن لم يكن غير عادل"، وتضيف "سياسة الحكومة الكويتية التي تجعل البدون غير مرئيين لا تؤدي إلى اختفاء مشكلة البدون لكنها تجلب المعاناة والعزلة لفئة مستضعفة من الناس". (للمزيد حول تقرير المنظمة: http://www.hrw.org/ar/news/13/6/2011).

إذن وكما أثبتت الأيام فإن الخيار الأمني لن يؤدي إلى اختفاء مشكلة "البدون" فما المطلوب؟ المطلوب هو الحل الجذري للمشكلة من منظور إنساني بعد أن توافرت المعلومات والبيانات كافة للجهات المعنية.

الحل الجذري معناه القضاء على المشكلة نهائيا، وهو بالطبع لا يعني تجنيس كل من يدعي أنه "بدون"، فالتجنيس يخضع لشروط وقوانين محددة، وبعضهم لا يستحق الجنسية إطلاقا، لكن المشكلة هنا أن الحل الجذري المطلوب لن يتحقق ما لم يبدأ نهج جديد لإدارة الدولة، لأن النهج الحكومي السابق ثبت فشله على مستويات عدة، حيث إنه لم يستطع حل مشاكل أكثر بساطة وسهولة من قضية "البدون" المعقدة.

لذا فالمطلوب مرحليا هو اتخاذ قرارات إدارية سريعة وشفافة من شأنها أن تساعد على التخفيف من حدة المأساة الإنسانية التي يعانيها أفراد هذه الفئة، بحيث يتاح لهم الحصول على حقوقهم الإنسانية الطبيعية في التعليم والتطبيب والتوظيف، واستخراج مستندات رسمية ثبوتية كشهادات الميلاد والوفاة، ورخص قيادة السيارات، وأيضا توثيق الأحوال الشخصية.