لعل أهم أسباب إخفاق المعارضة البرلمانية في تحقيق أهدافها السياسية كبرنامج شامل، هي المعايير والمواقف المزدوجة، خصوصاً في القضايا الرقابية، الأمر الذي تحول معه الرأي العام الكويتي إلى فريقين، وتركت مجمل الوضع السياسي في البلد يدور حول نفسه في دائرة مكررة، والنجاح الوحيد في هذا المشهد هو التعمق عمودياً والمزيد من الاستقطاب والإفراط في الخطاب الضيق الموجه إما مناطقياً وإما قبلياً وإما مذهبياً.

Ad

وهناك عدة شواهد لا تعكس فقط مثل هذا الواقع المحزن، بل تنذر بخطر أكبر يهدد النسيج الوطني برمته بمزيد من التحريض للتعبئة وشحن النفوس ضد فئات المجتمع، ووصل الأمر إلى ظهور معسكرين: الأول منغمس بالإفراط في الخصومة، والآخر غارق في التفريط بالموالاة وتبرير الأخطاء؛ إن لم يكن المزايدة عليها ومباركتها لمجرد العناد، ونكاية في الطرف الآخر.

ومن الأمثلة القريبة جداً في تشخيص هذه الحالة المزرية أولاً الموقف من الحكومة في الاستجوابات، ليس التي تم تقديمها واتخاذ المواقف الميدانية منها بل القادمة، وقد يكون بعضها مستحقاً كموضوع؛ ناهيك عن كونها حقاً دستورياً لا ينازع في أصلها.

ووجه الغرابة أن شريحة مهمة سواء من النواب أو من التيارات السياسية التي تسعى إلى إسقاط حكومة الشيخ ناصر المحمد تجاهد من الآن وكخطوة استباقية لإجهاض بعض الاستجوابات الموجهة إلى وزراء في ذات الحكومة وبرئيسها، ولم يتورع البعض عن الإفصاح علانية وصراحة بأن السبب وراء ذلك هو فقط الفزعة المضادة، لأن من سوف يقف ضد هؤلاء الوزراء من دوائر انتخابية معينة أو من فئة محددة رغم قناعتهم الكاملة بأن سقوط هؤلاء الوزراء أرجح، وقد يكون حجر الدومينو لسقوط الحكومة برمتها.

المثال الآخر الذي يعكس قمة التناقض في المعايير والمواقف هو ردة الفعل من تعيين بعض القياديين من خارج المؤسسات التي خلت فيها تلك المناصب العليا، وتم التعامل مع أبنائها الذين تدرجوا فيها إدارياً ومهنياً بأقسى درجات التعسف والاستخفاف والدونية، وعدم مراعاة شخصياتهم وخبراتهم.

فما بين تصريحات نارية ومغلفة بلغة الاستجواب ضد وزيرة التجارة لتعيين وكيل مساعد من خارج الوزارة، وأخرى شديدة اللهجة، ولكن بدون تهديد استجوابي لوزير الإسكان لاستعباد أبناء بنك التسليف وتعيين مدير جديد له من خارج الوسط الحكومي برمته، وتصريحات ثالثة خجولة ومترددة لإقصاء رجال هيئة الشباب والرياضة، واستمرار لعبة الشطرنج، إلى صمت مريب تجاه اعتبار كل قيادات وزارة الإعلام العديمي القيمة والكفاءة لمنصب الوكيل فيها، مع ملاحظة أن الوزارة الأخيرة لا وزير لها حتى؟! فمستويات النقد وحدّته في كل هذه الأحوال تفاوتت تبعاً لشخص الوزير المختص أو القيادي الغريب أو أبناء الجهة الحكومية المعنية بالأمر! وهذه التعيينات التي تشترك في حقيقة واحدة أنها شملت فريقاً من المظليين الذين نزلوا بـ"البراشوت" على كراسيهم، وتتحمل مسؤوليتها الحكومة مجتمعةً، ووافق عليها جميع الوزراء بلا استثناء، ولهذا يجب أن تواجه هذه بمسطرة واحدة تباركها جميعاً أو تنتقدها بذات القوة والمقدار والموقف، ولكن هذا الموقف له متطلب واحد فقط، وهو أن يكون للمعارضة مبدأ موحد يتساوى عليه كل رجالها!