فتوة المواصلات... وخسارة التأمينات
لا يمكن لبلد ما أن يحقق إنجازاً تنموياً أو اقتصادياً مهماً في واقع إداري شديد التخلف والخراب الذي ينتج الفساد، وهو حال الجهاز الإداري للدولة اليوم، فجميع قرارات الحكومة التنموية والإصلاحية تتكسر على صخرة الروتين والتسيب الإداري والدورة المستندية المطولة للبيروقراطيين والمستفيدين من هذا التسيب في تحقيق منافع، عبر حالات الرشاوي المتفشية في الجهاز الحكومي، أو استخدام السلطة لكبار مسؤولي الجهاز الإداري، لتبادل المنافع وتحقيق مصالح بعضهم الأسرية والشخصية.جميع أجهزة الدولة تقريباً أصبحت مرتعاً للتسيب وممارسة التسلط وأحياناً الفساد، والقائمون عليها يتصرفون على أنها حيازة خاصة بهم، وحسب خبرات ذاتية ولمعارف أيضاً فإنك تلمس ذلك بتجارب بسيطة إذا ذهبت إلى إدارة إصدار الوكالات في وزارة العدل في مجمع الوزارات وما تمارسه بعض الموثقات من إذلال للمراجعين، أو إذا اكتشفت أن معاملتك في شؤون الموظفين في وزارة المواصلات لم تُنجَز بعد شهرين، وتضطر إلى الركض هرباً من رئيس القسم «الفتوة المعضل» قبل أن يدفنك في»شبرة 7»، لأنك عاتبت موظفيه على الأهمال!... أو لاحقت بنغالياً في إدارة عمل في وزارة الشؤون لتشتري منه رقماً حتى تتمكن من مراجعة موظف في الإدارة الذي لا يزيد دوامه على 3 ساعات!.
حتى مؤسسة التأمينات الاجتماعية التي كنا نفتخر بها خسرناها كنموذج إداري وخدمي متطور، إذ تسير على الدرب نفسه، وأصبح يومها بعشرة أيام، والمعاملات الورقية فيها بلا نهاية، وأرباب البيروقراطية العرب يعيثون فيها تعقيداً حتى أنهم بعد تسوية معاش متقاعد يراسلون مقر عمله مرة أخرى ليعرفوا أسماء أبنائه الذين تصرف لهم علاوات... إذن كيف سويتم معاشه أصلاً وصرفتم له راتباً تقاعدياً؟!... وهذا الجهاز الحكومي المترهل والفاسد والمتسلط لم يرحم حتى المعاقين فأي معاملة خاصة بهم في هيئة شؤون ذوي الإعاقة لا تقل فترة إنجازها بين لجانه المختلفة عن أربعة أشهر!... فضلاً عما يشهده المراجع من معاناة في وزارة التجارة وبلدية الكويت وهيئة الصناعة عند إصدار الرخص التجارية في بلد يريد أن يتحول إلى مركز مالي واقتصادي.لذلك فإن الحديث عن قدرة الدولة على الإصلاح والتنمية ومواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية في ظل جهاز الدولة الإداري الحالي هو ضرب من الخيال، ويجب أن يسبق كل ذلك لجنة كبرى بصلاحيات واسعة للإصلاح الإداري وغربلة الجهاز الإداري مهما كلف الأمر من جهود وتضحيات، وبدون ذلك فإن الأمل في تحقيق طفرة من الإنجازات في البلد هو حديث التمنيات والأوهام.