في منتصف ليل مثل هذا اليوم منذ 63 سنة في إحدى ضواحي باريس الهادئة، صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كان صدوره حينها إيذاناً ببداية تفكيرٍ في التكفير عن ذنوب البشر في عدوانهم على البشر الآخرين وسلبهم حقوقهم الطبيعية التي وُلدوا بها. لم يكن الإعلان أكثر من وثيقةٍ سعى الكبار والأقوياء إلى جعلها بلا قيمة على أرض الواقع. الدول الكبرى والكثير من الصغرى اجتهدت في تأصيل ثقافة انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والإبادة الجماعية.

Ad

63 عاماً مرت على صدور الإعلان فأين كنا وأين أصبحنا؟ هل أوضاع الإنسان اليوم أفضل منها قبل خمسين سنة مثلاً؟ أو أفضل منها منذ عشرين سنة؟ الإجابة لن تكون سهلة، وهي لا يمكن أن تكون من نوع الإجابات الجاهزة، هي ليست نعم أو لا.

على المستوى الشعبي العالمي هناك وعي متزايد بحقوق الإنسان. وهناك معرفة متصاعدة ترفدها هيئات تعليمية وبرامج أكاديمية متخصصة تسهم دون شك في جعل حقوق الإنسان أكثر انتشاراً من خلال متخصصين.

كما أن الدور الذي أصبحت تلعبه المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان أصبح دوراً فاعلاً ومؤثراً في الساحة الدولية، فمنظمة رائدة كـ"العفو الدولية" تقوم بمئات المهمات سنوياً وتتابع الكثير من الملفات المعقدة، وكذلك "هيومان رايتس ووتش"، واللجنة الدولية للحقوقيين والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمئات من المنظمات التي باتت تشكل رقماً صعباً في السياسة الدولية والمحلية على حد سواء.

على المستوى الدولي تطورت آليات حماية حقوق الإنسان بصورة ملحوظة، فقد انتهى مثلاً مجلس حقوق الإنسان من مراجعة وفحص ونقد ملفات حقوق الإنسان لـ192 دولة الشهر الفائت وهي عملية، رغم كل نواقصها وملاحظاتنا عليها، تحدث لأول مرة ويُطلَق عليها "المراجعة الدورية الشاملة"، التي لم تفلت منها أي دولة في العالم من الولايات المتحدة إلى سورينام.

بالطبع هناك في الخلفية تحوّل أكثر من 70 دولة إلى أنظمة ديمقراطية أو شبه ديمقراطية، وهو أمر يسهم بدرجة أو بأخرى في التقليل من إهانة البشر أو على الأقل يخلق مناخاً ممكناً للقيم الإنسانية أكثر من ذي قبل.

إلا أنه ومع كل ما قيل وما بدا من بوادر إيجابية من حيث الشكل فإن الطريق مازال طويلاً في سبيل الوصول إلى عالم يضع كرامة الإنسان في أعلى سلم أولوياته، ليصبح الناس حقاً متساوين في الكرامة والحقوق منذ ولادتهم، كما جاء في المادة الأولى من الإعلان الصادر في العاشر من ديسمبر 1948.

الطريق مازال طويلاً لكي يقتنع البشر ويرتقوا بثقافةٍ ترى القبول بالآخر والتسامح ونبذ التمييز بكافة أشكاله، سواء كان على أي أساس ديني أو عرقي أو جنسي أو لغوي أو أصل اجتماعي أو غير ذلك، لتصبح كرامة الإنسان فقط المدخل الوحيد لاستقرار المجتمعات والسلام والتنمية المستدامة. فبلا كرامةٍ للإنسان يصبح العالم مجرد فوهة بركان للقتل والحروب والتدمير.