يبدو أن هناك قراراً ما، حكومياً وبرلمانياً بأن لا يتم حتى التذكير، دع عنك، إحياء ذكرى استقلال البلاد والتي حلّت علينا يوم أمس، أي أن عمر الكويت المستقلة قد بلغ 50 سنة بالتمام والكمال.

Ad

كان الاستقلال بداية لانطلاقة الدولة الدستورية والتي شاركت فيها كل القوى الحية في المجتمع، ومع أن بناء الدولة ذاك قد تعرض ومازال لانتكاسات وتهميش وتشويه إلا أن البصمات التي تم وضعها حينذاك مازالت تمثل محور الارتكاز لاستعادة البلاد لبريقها وعنفوانها وحريتها التي تتعرض لقصف شديد.

ففي التاسع عشر من يونيو 1961 تم تبادل مذكرتين بين حكومة الكويت والحكومة البريطانية، اعتمدهما من جانبه أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم رحمه الله، ومن الجانب البريطاني المعتمد السياسي في الكويت السير جون ريتشموند، والذي أصبح لاحقاً أول سفير لبريطانيا في الكويت، وكنت قد التقيته غير مرة بعد تقاعده وإقامته في مدينة درهام الإنكليزية، حيث كان يقوم بالتدريس فيها أحياناً قبل أن يتوفاه الله.

المذكرتان كانت الأولى عبارة عن إلغاء اتفاقية الحماية بين الكويت وبريطانيا، والتي كانت قد أُبرِمت في يناير 1899، وبالتالي يصبح من حق الكويت ممارسة سياستها الخارجية بنفسها، أما الثانية فكانت اتفاقية صداقة بين البلدين، والتي على إثرها تم إعلان استقلال الكويت دولة ذات سيادة.

الملاحظ هنا أنه منذ السنوات الأولى لتولي الشيخ عبدالله السالم الحكم في خمسينيات القرن الماضي، كان حلم الاستقلال يراوده، وقد دلل على ذلك الكثير من المراسلات والتقارير والمحادثات والوثائق البريطانية، فإذا أضفت إلى ذلك أن الكويت أساساً كانت تمارس قدراً عالياً من الاستقلالية حتى في اتصالاتها بدول ومنظمات دولية، فإن حدث الاستقلال بحد ذاته لم يكن مفاجئاً على الإطلاق، بل سبقته حراكات داخلية وخارجية متنوعة.

فعلى المستوى الخارجي شهدت المنطقة جملة متغيرات رئيسة تمثلت في حركة التحرر العربي في مصر مثلاً عام 1952، حيث أسقط الضباط الأحرار الحكم الملكي هناك، وفي إيران تم تدبير المخابرات الأميركية انقلاباً على رئيس الوزراء محمد مصدق وإعادة شاه إيران إلى حكمه، وربما كان الحدث الأهم هو انقلاب عبدالكريم قاسم على الحكم الملكي في العراق سنة 1958. واللافت أن الشيخ عبدالله السالم كان من أوائل المهنئين لقاسم، ويعود ذلك إلى تخلصه من الضغوط الحادة التي كان يتعرض لها من الحكم في العراق، وعلى الأخص نوري السعيد لضم الكويت إلى الاتحاد الهاشمي العربي، فكان الخلاص من النظام فرصة لإنهاء تلك الضغوط.

على المستوى الداخلي كان الحراك الشعبي متعدد المشارب. ففي 1959 وبعد أحداث مهرجان ثانوية الشويخ الشهير قامت الحكومة بإجراءات قمعية، حيث تم إغلاق الصحف والأندية وتقييد حرية التعبير في ذات الوقت الذي كان فيه الحديث عن التحولات السياسية والدستورية حاضراً، وتم تحويل مجلس الشيوخ الأعلى إلى المجلس المشترك، ومن ثم إعطاء هيئة التنظيم دوراً فعالاً في صياغة وترتيب قدر عالٍ من المؤسسية. كل المؤشرات كانت تتجه في اتجاه الاستقلال.

بريطانيا حينها كانت قد بدأت جدياً في التفكير بالانسحاب عسكرياً من الخليج وربما كان استقلال الكويت بالونة اختبار لما سوف يأتي لاحقاً بالنسبة لبقية دول الخليج سنة 1971.

إلا أن ما حدث بعد إعلان الاستقلال كان أكبر من المتوقع، ولربما كان من مبررات شكل النظام السياسي في الكويت.

بالطبع لسنا في وارد لوم أحد على عدم تخصيص نشاط مهما كان رمزياً لإحياء ذكرى الاستقلال، فمجلس الأمة منشغل بنفسه، والحكومة لاهية هي الأخرى ومنشغلة بالشعب ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وللحديث بقية