حين يأتي ذكر السينما الكويتية، فإنه بات مقترناً، بشكل أو بآخر، بأبرز أعمالها، الفيلم الروائي «بس يا بحر» الذي عُرض عام 1971، للمنتج والمخرج الكويتي خالد الصديق. وعلى الرغم من وجود أفلام كويتية سبقته، كفيلم «العاصفة» للمخرج محمد السنعوسي، وأفلام أخرى جاءت لاحقة عليه، إلا أن فيلم «بس يا بحر»، الذي يُعد الفيلم الروائي الخليجي الأول، حيث بلغت مدة عرضه (115 دقيقة)، ما كان له أن يحوز هذه المكانة الرفيعة، لولا تمكّنه من صنعته السينمائية الفنية اللافتة، وقدرته على مخاطبة وأسر وجدان جمهور المشاهدين أينما كانوا.

Ad

الفيلم الروائي «تورا بورا» انتاج وإخراج وليد العوضي، مدته (100 دقيقة)، عُرض على صالات شركة السينما الكويتية «سينسكيب»، ابتداء من عيد الفطر، وحقق أعلى إيراد بين الأفلام الهوليوودية المعروضة، يمكن النظر إليه بوصفه فيلماً روائياً آخر يُضاف إلى تأريخ السينما الكويتية، ويشكل علامة مهمة ناجحة على طريق مسيرتها. خاصة وأنه عُرض في مهرجان «كان» السينمائي الفائت، وحاز إشادة كبيرة من النقاد العالميين المختصين.

المخرج وليد العوضي، الذي عاش وشغف بدراسة عالم السينما في الولايات المتحدة الأميركية والعواصم الأوروبية لسنوات طويلة، قدّم فيلماً مشغولاً بمواصفات وتقنيات عالمية الجودة، محمولاً على حكاية محلية، بمضمون وروح إنسانيين، يدينان الإرهاب والعنف والقتل، ويستنهضان عاطفة الأبوة والأمومة في بحثها المضني عن أحد أبنائها. الشاب الغر، المنتمي لإحدى حركات الإرهاب في تورا بورا، حتى لو كلف هذا البحث حياة أحدهما.

المشاهد الخارجية للفيلم صُوّرت في مدينة «ورزازات» في جنوب المملكة المغربية، لتشابهها مع الطبيعة الجغرافية لتضاريس المناطق الأفغانية. ولقد استغرقت عملية البحث والتجهيز والتصوير قرابة السنة. واستعان المخرج العوضي، بأحد أهم العاملين في مجال صناعة الديكورات للأفلام العالمية، الإيطالي «ماركو ترنتيني- Marco Trentini». إضافة إلى وجود المخرج الأفغاني العالمي «صديق برماك-Siddiq Barmak»، صاحب فيلم «أسامة» الحائز على جائزة «كولدن كلوب»، بوصفه مستشاراً فنياً للفيلم. وأخيراً انجاز عموم مؤثرات المنتاج في إسبانيا، وتوزع كل ما يتعلق بتحميض الفيلم بين مدينتي زيورخ وبرلين.

إن جمهور فيلم «تورا بورا»، وهو يعيش مرارات الأوضاع اللاإنسانية في منطقة تورا بورا، وسط قسوة الطبيعة، ووحشية عصابات «طالبان»، وقتلهم الأعمى لكل من يعترض طريقهم، يبقى حابساً أنفاسه في متابعة مشاهد الفيلم، مترقباً ما ستتمخض عنه عملية البحث عن الابن الشاب، المنتمي لجماعة تطالبه وأميرها بتنفيذ عملية استشهادية.

لعب دور البطولة في الفيلم الممثل الكويتي القدير سعد الفرج، إلى جانب أسمهان توفيق، وخالد أمين، وعبدالله الطرارة، وعبدالله الزيد، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الممثلين العرب من المغرب وفلسطين. ولقد كان وليد العوضي موفقاً في قدرته على استخلاص أقصى من يمكن استخلاصه من عطاء معظم أبطال الفيلم.

«عصر الصورة» هي إحدى أهم التسميات التي أطلقت على عصرنا الراهن، فالإعلام المرئي عبر السينما والقنوات الفضائية التلفزيونية، بات يشكل سلاحاً خطيراً وكبيراً بيد من يتولى إنتاجه وإدارته. ويأتي الفيلم السينمائي «تورا بورا»، كأحد أهم النتاجات الفنية الخليجية العربية، التي تقول صراحة بنبذ وبراءة الإسلام والمسلمين من الإرهاب الأعمى.

المخرج وليد العوضي قال في إحدى مقابلاته الصحافية: «إن فيلم تورا بورا شرّع باب صناعة السينما الكويتية». وتمنى العوضي «أن يكون هذا النجاح بمثابة حافز ودافع للسينمائيين خاصة الشباب»، وكم تبدو صناعة السينما في الكويت بحاجة الى تضافر جميع الجهود المخلصة، الرسمية والأهلية، للنهوض بإنتاج أفلام روائية أو وثائقية، تشكل حضوراً وامتداداً جميلاً للسينما الكويتية، وتُعيدها إلى مكانتها ومكانها الصحيحين بين السينمات العربية.