في غرفة الإنعاش
حين يردد مرشح فاشي أن "أسوأ خلق الله يشاركوننا في وطننا"، وحين يواجه "وزير" النقد بلوم من أسماهم "البعثيين والبدون"، وحين يكون مشروع مرشح مفلس آخر هو "تنتيف ريش" وشتم نواب حين يصل إلى المجلس، وحين تدعم أعداد كبيرة هؤلاء الشوفينيين وتحضر بشكل غير مسبوق ندواتهم لتستمع للشتم والدعوات المحرضة على الكراهية وتصفق لها دون خجل أو وجل، وحين تأخذ قبيلة ثأرها بيدها بعيداً عن القانون, نتيقن أن مجتمعنا يعاني حالة مرضية حرجة.ما يحدث جريمة بحق الوطن، فخطاب الكراهية تجرمه الدول المحترمة ويجرمه القانون الدولي، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري تفرض على جميع الدول التي هي طرف في المعاهدة أن تعلن جريمة جنائية "كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، والتحريض على التمييز، وتوفير كل مساعدة للنشاطات العنصرية".
مرض الشوفينية العضال ينخر في جسد مجتمعنا نتيجة غياب قانون يجرم الكراهية والتمييز العنصري، فالشوفينية تعني الغلو والتعصب سواء الوطني أو الطائفي أو القبلي، والنظرة الاستعلائية للآخر المختلف والأنا المتضخمة التي تدعي الأفضلية. لدينا "كل ما لذ وطاب" من أنواع الشوفينيات التي يطغى بعضها على بعض، فتستنكر ممارسة العنصرية ضدها بينما هي ذاتها تمارسها ضد الآخر، سواء ضد القبيلة أو الطائفة أو ضد الفئات المهمشة في المجتمع كالبدون باسم الوطنية والفزعة للطائفة أو القبيلة، وهم بذلك يجهلون جهلاً مركباً أن ما يرتكبونه من جرائم عنصرية يهدر الوطن وقيم المواطنة. لقد قُرعت نواقيس الخطر منذ زمن بعيد، لكن لم تسمعها الحكومة التي صمت آذنها، وفشلت في بناء الإنسان والوطن والمستقبل لأنها لم تحسن قراءة التاريخ ولم تعتبر منه، وها نحن نكتوي بنار الشوفينية وخطابها العنصري المحرض على الكراهية والإلغاء والتهميش، فلتحترق البلد ولتطبق شريعة الغاب، المهم هو الانتصار لمشروع الحكم الذي تستخدم فيه كل الأسلحة غير المشروعة لتدمير أساسات المواطنة بتحريك المهووسين الذين يقتاتون على تهييج النعرات والعصبيات.هذا الفكر المخاصم للتعددية والتسامح والعدالة الاجتماعية والعيش المشترك برز حين غابت الحريات والنزعة الإنسانية، فأضحت الوطنية المزعومة هستيريا شوفينية يسيطر عليها الفكر السلطوي وكل أنواع العصبيات الضاربة الجذور في الوعي الجمعي والسلوكيات الشخصية والعامة في البيت والمدرسة والمجتمع دون أن ترى فيها أمراً مرفوضاً أو معيباً، حتى أصبحت هذه الثقافة المدمرة تنتقل من جيل إلى جيل يتنفس أطفالنا سمومها منذ نشأتهم المبكرة، وأضحت المنظومة القيمية معادية لثقافة حقوق الإنسان، فلم ترعاها الدولة ولم يصونها المشرعون ولم تعتمدها الأسرة أو المدرسة كأسلوب للتنشئة الاجتماعية، ليعاد إنتاج هذه الثقافة التي شوهت قيمة الإنسان وحق الآخر في الوجود.الحكومة وحدها تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الاحتقان المجتمعي الذي وصل مداه، وهي المسؤولة أولاً وأخيراً عن تهديد السلم المجتمعي، ذلك أن القوى السياسية غير متكافئة وغير متوازنة، فالحزب القوي الوحيد في الكويت هو حزب الحكومة التي تشارك بكل ثقلها في مهام مجلس الأمة، فثلثه من الأعضاء المعينين، لذا فالتغيير الحقيقي يصعب حدوثه دون رضا الحكومة، الأمر الذي كرس الفكر السلطوي الذي عمل منذ زمن على إعادة إنتاج هذا الفكر في ممارساته المبنية على شراء الولاءات على حساب الكفاءات.حقل الألغام الذي نمشي عليه, ونشعر بحرارته، قابل للانفجار في أي وقت ما لم نغربل موروثاتنا المتخلفة، وما لم نأتِ اليوم بنواب يدعمون القوانين التي تجرم الكراهية والتمييز العنصري، ويعيدون إحياء الدستور الذي مات خنقاً... الكويت اليوم في غرفة الإنعاش، نريدها أن تحيا لأطفالنا.