ليس لغزاً ولا سراً من الأسرار أن تنقلب تركيا أردوغان على مواقفها تجاه الجارة «العزيزة» سورية بهذه السرعة، وأن تبادر باستضافة بعض رموز وتيارات المعارضة السورية في مدينة أنطاليا، بعد أن كانت قبل أيام تُطلق التأكيد تلو التأكيد على أن علاقتها بهذا البلد العربي, المحادد لها من الجنوب, استراتيجية وماضية نحو التكامل الشامل على صعيد الاقتصاد والسياسة وكل شيء... إن هذا أمر طبيعي، فالدول ليست جمعيات خيرية ومصالحها مقدمة على «الأخوَّة» وحسن الجوار والتاريخ المشترك!!

Ad

عندما انطلقت هذه المجموعة التي يقودها رجب طيب أردوغان على أساس الإسلام السياسي المعتدل «البراغماتي»، وضعت نصب أعينها, بعد أن ارتطم رأسها بالنسبة لمساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بجدار كهف الحقيقة، ليس مرة واحدة بل عشرات المرات, أن تستعيد الدور الذي فقدته على مدى نحو ثمانين عاماً من القرن العشرين في هذه المنطقة العربية التي تشكل مجالاً حيوياً لها يمتد من آخر ذرة من تراب حلب نحو الشمال عند باب الهوى إلى آخر ذرة من تراب اليمن نحو الجنوب عند حيّ «كريتر» على شواطئ عدن، ولهذا فقد كان أمراً طبيعياً, بعد أن تخلصت من «ثألول» عبدالله أوجلان ومن منغصات سابقة كثيرة, أن تبدأ بسورية التي قابلت رغبتها برغبة مماثلة جامحة.

بعد أن اكتفت تركيا من محاولات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من الغنيمة بالإياب واستدارت نحو الجنوب وجدت نفسها, وكأنها تكتشف المريخ لأول مرة, مضطرة اضطراراً, حتى تأخذ دورها الإقليمي الذي تستحقه في ملعب الشرق الأوسط, أن تكون اللاعب الثالث إلى جانب إيران وإسرائيل على هذا المسرح، وأن عليها حتى تضمن الفوز أن تمسك بالأوراق العربية ورقة بعد ورقة.

ولهذا فقد بدأت بالتقرب أكثر من اللزوم من سورية لإبعادها عن إيران خطوة بعد خطوة وبالسياسة الناعمة، وحقيقة أن القيادة السورية, التي فقدت بسبب لبنان والوضع الفلسطيني والتحالف مع دولة الولي الفقيه معظم أوراقها العربية, فهمت دوافع الرغبة التركية فذهبت, بشطارة التاجر الشامي الحذق, مع توجُّهات أردوغان إلى أبعد الحدود لإشعار العرب بأنها قادرة على الاستغناء عنهم ولتعزيز مكانتها أكثر وأكثر لدى العمَّة الكبرى جمهورية إيران الإسلامية.

لكن ولأن علاقات الدول مصالح فإن تركيا أردوغان قد سارعت, بمجرد أن بدأت الأرض الاهتزاز تحت أقدام نظام الرئيس بشار الأسد, لالتقاط اللحظة التاريخية مراهنة منها على فتح خيوط اتصال عريضة مع المعارضة السورية، والتحلي بجرأة أكثر, في ضوء هذا الغليان المتصاعد في سورية المجاورة, واتخاذ خطوة شجاعة تمثلت في استضافة أول مؤتمر لهذه المعارضة في مدينة أنطاليا التاريخية الجميلة.

ما كان منتظراً بالنسبة لمجموعة «براغماتية» لديها هدف واضح هو استعادة دور تركيا في المنطقة وارتقاء حلبة المنافسة الشرق أوسطية مع إسرائيل وإيران أن تبقى تتمسك بعلاقاتها الناشئة مع هذا النظام السوري الذي بات يقف فوق أرض شديدة الاهتزاز، ولهذا فقد بادرت إلى احتضان المعارضة السورية لتضمن الورقة السورية دعماً لتطلعاتها الإقليمية، وهذا يدلُّ على بُعد نظر، ويؤكد أن العلاقات بين الدول مصالح وليست أشعار غزل ولا رغبات شخصية.