معركة التعليم المختلط في الجامعة معركة قديمة تدور رحاها منذ نشوء الجامعة تقريبا بين طرفين متناقضين في كل شيء، أحدهما ينظر بعين الحاضر وظروفه محكما العقل والمنطق ومتحدثا بواقعية، وآخر ينظر بعين الماضي مستلهما من عاطفته الدينية ما يراه صوابا دون اكتراث للواقع الذي يعيشه العالم من حوله، مستندا إلى قانون غير عادل ومجحف فرضته الأكثرية المتشددة في مجلس الأمة على الجميع في عام 1996، ويدفع اليوم ثمنه الآلاف من أبنائنا الطلبة.

Ad

والقضية ليست في أننا مع التعليم المختلط أو ضده، بل في أننا نؤمن بحق الطلبة والطالبات في أن يختاروا ما يناسبهم من أسلوب التعليم دون وصاية من أحد، وهو أمر غير متاح حاليا بسبب قانون منع الاختلاط الذي يفرض نمطا وحيدا للدراسة على الجميع، في جامعة يتيمة عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة كل عام في ظل تقاعس حكومي عن إنجاز جامعة الشدادية التي يبدو أنها لن ترى النور خلال عشر سنوات قادمة... أو ربما أكثر!

والذين طالبوا بإصدار مرسوم ضرورة لتعليق العمل بقانون منع التعليم المشترك من أجل إتاحة الفرصة أمام جميع خريجي الثانوية لاستكمال تعليمهم الجامعي معهم ألف حق، فالنتائج السلبية الواضحة والناجمة عن فصل الطلبة عن الطالبات في المباني والمختبرات والمكتبات والشعب الدراسية قد صعبت من مهمة توفير العدد الكافي من الهيئة التدريسية، وتسبب في مشكلة الشعب المغلقة في ظل محدودية الطاقة الاستيعابية للجامعة والتي تتناقص باستمرار.

 فكانت النتيجة عدم قبول آلاف من الطلبة والطالبات هذا العام، وجعل الخيارات أمامهم في الالتحاق بالتعليم الجامعي محدودة وربما معدومة لبعضهم، فإن أرادوا التوجه نحو الدراسة في الجامعات الخاصة فستواجههم التكلفة العالية للدراسة فيها، وهو ما لا طاقة لمعظم الطلبة ووالديهم على تحمله.

 وإن سعوا إلى الالتحاق بنظام البعثات الداخلية الى هذه الجامعات الخاصة فستواجههم مشكلة أخرى هي محدودية القبول في هذه البعثات، حيث لن يزيد عدد المقاعد في هذه البعثات لهذا العام عن 1910 مقاعد، الأمر الذي يعني إغلاق أبواب المستقبل في وجوههم تماما!

لذلك، أؤيد ما جاء في بيان «التيار التقدمي الكويتي» في أن حل مشكلة عدم قبول الطلبة المتقدمين للالتحاق بالجامعة هو «في الإسراع في معالجة سلبيات القانون رقم 24 لسنة 1996 في شأن التعليم العالي والقانون رقم 34 لسنة 2000 اللذين فرضا نظام التعليم المنفصل بين الجنسين كأسلوب وحيد للدراسة الجامعية، وذلك بتعديل هذين القانونين بحيث يصبح هناك خياران متاحان في جامعة الكويت والجامعات الخاصة يضمنان حرية الاختيار ويعالجان المشكلة، أحدهما خيار التعليم المشترك والآخر خيار التعليم المنفصل للإناث بإنشاء كليات بنات جامعية للطالبات الراغبات بالتعليم الجامعي المنفصل، وذلك إلى جانب الكليات الجامعية المشتركة مثلما هي الحال في معظم بلدان العالم، بما فيها أغلبية البلدان العربية والإسلامية، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات جدّية لزيادة الطاقة الاستيعابية لجامعة الكويت، وإنجاز مشروع إنشاء المدينة الجامعية في الشدادية، وإنشاء جامعة حكومية أو أكثر إلى جانب جامعة الكويت مع فتح فروع لها في محافظات البلاد، وزيادة مخصصات ميزانية البعثات الخارجية».

أما النواب الذين غضبوا وتوعدوا بتقديم استجواب إلى رئيس الوزراء في افتتاح دور الانعقاد المقبل في حال صدور مرسوم ضرورة لإلغاء قانون منع الاختلاط، وأعدوا العدة للدعوة إلى الخروج إلى الشارع في جمعة أطلقوا عليها «جمعة المحافظة على الثوابت الإسلامية»، فأدعوهم أن يتخلوا عن أنانيتهم قليلا، ويضعوا أنفسهم محل آلاف الطلبة والطالبات الذين لم يجدوا لهم مكانا في الجامعة هذا العام بسبب هذا القانون، وأن يتذكروا القاعدة الدينية التي تقول إن «الضرورات تبيح المحظورات»، وأن يصبروا حتى تتاح الخيارات للجميع في الدراسة المختلطة أو المنفصلة من خلال جامعات جديدة تنشئها الدولة... دون فرض أي خيار منهما على أحد!