بدون إنسانية
يأتي المطر من السماء فتشرق الأرض وتزهر الورود، إلا أن الإنسان المتسلط وحده هو الذي يمنع ذلك الإشراق ويفسد بيده وسوء تدبيره متعة اللحظة وبهجتها.منذ أكثر من عشرين عاماً أطلقنا تحذيراً للمجتمع بأننا مقدمون على مأساة إنسانية اسمها البدون، وعرضنا حينئذ الحلول العملية والواقعية التي لا تتضمن في أي منها تجنيساً عشوائياً كما يروج البعض، ولا تتضمن في أي منها أضراراً بأمن البلاد بأي شكل من الأشكال، كنا نقول ومازلنا إن فشل الحكومات المتعاقبة في الحل سيخلق مشكلة قد تؤذينا جميعاً دون استثناء، إلا أن التعنت والتعالي كانا عنوان السياسة الحكومية والإصرار على أنه لا حل للمسألة إلا بالأسلوب الأمني أي التضييق والتشدد. كان مدخلنا إنسانياً ومازال.
وبعد عشرين سنة من التشدد وضيق الأفق الحكومي وانسداد السبل بدأ بصيص أمل يظهر في العقلية الحكومية، وأعلنت الحكومة تبنيها من حيث الشكل للتصور الذي كنا قد طرحناه منذ أكثر من عشرين عاماً، بعد أن تفاقمت المشكلة وأصبحت كلفة حلها أعلى بكثير من ذي قبل. بل إن الأرقام التي أعلنتها الحكومة عمن هم البدون اتضح فيها أن الأغلبية العظمى منهم لم يأتوا بعد الغزو، بل أعلنت الحكومة رسمياً أن 34 ألفاً يستحقون الجنسية، كما أعلنت أن البقية ستتم معاملتهم بصورة إنسانية، وكان من اللافت أن الداخلية بعد أن منعت تظاهراً سلمياً للبدون في تيماء واعتدت على الناس عادت مرة أخرى لتتسامح على مدى ثلاث جمع ويتم التظاهر بجو ودي وسلمي.إلا أن صاحب الطبع لا يتطبع، والذهنية الأمنية أبت إلا أن تكشر عن أنيابها غير الإنسانية دون مبرر وتمنع تظاهراً سلمياً لا يخدش أمن البلاد بأي صورة من الصور، وكان لسان حالنا أو حال تلك العقلية يقول إننا سنتعامل معكم بإنسانية ولكن تحت القهر ولن نجعلكم تشعرون أن مظاهراتكم حققت لكم شيئاً.منطق يمارسه الأطفال في صراعاتهم البسيطة، لكن أن تمارسه حكومة، فهذا لا يعدو عن كونها "بدون" إنسانية ولا حول ولا قوة إلا بالله.