يشتكي معظمنا من آلام الظهر، وتوضح الإحصائيات أن بين 60% - 80% من الناس حول العالم يصابون بهذه الأوجاع خلال فترة من حياتهم، وأنها إحدى أكثر المشاكل التي يعاينها الملايين. كذلك يشير بعض الإحصائيات الى أن أربعة أشخاص من أصل خمسة حول العالم يصابون بآلام الظهر، لا سيما بين الثلاثين والخمسين من عمرهم.

Ad

قبل سن الثامنة عشرة وفي عمر ما فوق الستين تكون آلام الظهر معدومة غالباً، ويرجّح العلماء والباحثون أن عوامل عدة تتداخل في ذلك، أبرزها أن الأعباء الاجتماعية والمهنية في منتصف العمر تكون أقوى وأشد ضغطاً على الجسم والذهن والنفسية من سنوات العمر الأخرى.

المرأة في الثلاثينات تنجب الأطفال وترعاهم وتسهر على تربيتهم التي تتطلّب جهداً كبيراً، ومتابعة احتياجات الأسرة تتطلّب القيام بمجهود جسدي كالرفع والحمل والنقل. ناهيك بأن كثراً في هذه المرحلة ونتيجة للأعباء الحياتية والالتزامات الأسرية لا يمارسون الأنشطة الرياضية التي تكسبهم القوة والمرونة واللياقة البدنية وتقيهم من مشاكل الظهر. بالإضافة الى أن معظمنا في هذه المرحلة العمرية يكتسب عدداً غير مرغوب فيه من الكيلوغرامات التي تؤدي الى زيادة الوزن والعبء على جميع الوظائف الحيوية بما فيها الجهاز العظمي، خصوصاً عظام العمود الفقري.

فيزيولوجياً، تصبح الأقراص التي تفصل بين فقرات العمود الفقري أكثر عرضةً للإصابة في عمر 30 إلى 50 سنة، فتفقد قوّتها ومرونتها ولا تستطيع القيام بوظيفتها بشكل جيّد خلال الحركات المختلفة.

إجهاد

يعاني كثر في عصرنا السريع من الإجهاد، خصوصاً رجال الأعمال الذين لا يجدون وقتاً كافياً لالتقاط أنفاسهم أو الراحة أو الاستجمام أو حتى التمتّع بعطلات نهاية الأسبوع. هؤلاء فقدوا الاتصال والتواصل بين حاجات أجسامهم من راحة وترويح عن النفس وارتخاء ونوم، فهم دائماً مجهدون ويعانون من آلام حادة في الظهر نتيجة الأعمال المتلاحقة والمواعيد الدائمة والرحلات المتتابعة السريعة. كذلك الحال بالنسبة إلى المرأة العاملة التي تتابع احتياجات المنزل والأطفال والأسرة في آن.

نوع المهنة

بعض المهن يكون سبباً رئيساً للإصابة بآلام الظهر كالعمل في المناجم والموانئ والبناء، فالعمل الحركي يرتبط بالعمل العضلي، والعامل المرتبط برفع أحمال يدوية كبيرة أكثر عرضة لخطر الإصابة بآلام الظهر. كذلك يُصاب بهذه الأوجاع، خصوصاً في المنطقة القطنية، عمال الوظائف التي تتطلب القيادة لمسافات طويلة مثل سائقي السيارات والأتوبيسات والطائرات. لا ننسى أيضاً أن الجلوس غير الصحيح لفترات طويلة في بعض الأعمال المكتبية يتسبّب في حدوث آلام الظهر.

مناطق آلام الظهر وأسبابها

تظهر آلام الظهر في أجزاء مختلفة على امتداد الظهر ولأسباب متنوّعة:

أسفل الظهر: ينشأ ألم أسفل الظهر نتيجة القيام بالانحناء أو الالتواء، وقد يحدث انزلاق غضروفي يؤدي الى الشعور بآلام في منتصف أسفل الظهر وقد ينتشر في الردفين أو الوركين.

يُنصح بالراحة فالحركة والانثناء قد يزيدان الحالة سوءاً. 50% من المصابين بآلام أسفل الظهر تتحسّن حالتهم خلال فترة تتراوح بين أسبوعين الى أربعة أسابيع.

الانزلاق الغضروفي: قد يحدث في العنق وأسفل الظهر نتيجة للانثناء والالتواء، ونادراً ما يحدث في منتصف الظهر. يزداد الانزلاق الغضروفي بالحركة والمشي والميل والانثناء، ويتحسّن بالراحة والاستلقاء.

النشاط اليومي: سوء استخدام القوام خلال النشاط اليومي أحد الأسباب الرئيسة لحدوث آلام الظهر، إذ يسبّب حدوث بعض الانحرافات القوامية البسيطة التي يمكن علاجها إذا اكتُشفت مبكراً، أي خلال مرحلة النمو وقبل أن تصل الى المرحلة البنائية التي تتّخذ فيها العظام شكلاً تركيبياً شبه ثابت. أما اذا اكتُشفت في مرحلة متقدّمة فقد يصعب علاجها.

ترتبط طريقة الوقوف والجلوس والانحناء والثني وتحرّكاتنا المختلفة خلال النشاط اليومي بصورة كبيرة بالعامل الوراثي، من حيث بنية الهيكل العظمي ومرونة المفاصل. يقلّد الأطفال آباءهم بتحركاتهم فيلاحَظ تشابه واضح لديهم بين شكل القوام وأسلوب التعبير الحركي كالمشي والجري والوقوف ووضع اليدين واتجاهات الرأس وحتى طريقة النوم. غير أن باقي التطوّر في القوام تدخل فيه عوامل أخرى لها تأثير منذ الولادة كالتغذية والأنشطة البدنية واللياقة البدنية والحالة النفسية والظروف الحياتية والحالة الصحية والإصابة بالأمراض المختلفة والنظرة إلى الحياة.

تغير القوام أو تعديله: إذا كان سبب آلام الظهر وجود بعض العيوب القوامية، فمن المناسب تعديل القوام للتخلّص من هذه الآلام. لكن الغالب أن التغيير القوامي صعب فقد نستمر في التغيير لمدة دقائق ثم نرجع إلى الوضع الأصلي. ذلك لأن القوام الذي أخذ يتطوّر على امتداد سنوات يميل الى أن يظل ثابتاً فالوضع الخاطئ أصبح عادة بالنسبة الى الشخص المعني ومريحاً له، بينما تعديل القوام يزعجه. لكن بالتركيز والمواظبة يمكن تغيير تلك الأنماط العضلية الثابتة التي تنعكس على القوام السيئ فتكون أقوى من الرغبة في تحويل ذلك القوام. التغيير يحتاج الى جهد ومثابرة لأن النجاح سيفيد الحالة البدنية والعقلية والنفسية بالدرجة نفسها.

لا بد من التعرّف الى قوامنا، لا سيما العمود الفقري، وإلى عمل العضلات للمساعدة في عملية التعديل في طريقة الوقوف والجلوس والانحناء، وفي نوع الكرسي والمكتب وارتفاعهما ونوع «مرتبة» السرير وسماكتها... ذلك كلّه يساهم في العلاج والتخلّص من آلام الظهر.

إجهاد القوام الساكن: يقع العمود الفقري تحت إجهاد شديد إذا مكث في وضع سيئ لفترة طويلة. يؤدي القوام الساكن عادة الى توتّر العضلات وحدوث آلام في الأربطة. لذلك ننصح باتخاذ أوضاع قوامية يقل فيها الاجهاد الواقع على الظهر ويتيح للعضلات الراحة والاسترخاء سواء بوضعية الجلوس أو الوقوف أو الاستلقاء. كذلك ننصح بالتحرّك وتغيير الوضع من وقت إلى آخر لتبديل العمل العضلي فلا يقع العبء على مجموعة عضلية واحدة معظم الوقت.

قوام الوقوف السليم: القوام المثالي ببساطة هو الذي يكون فيه الظهر واقعاً تحت أقل توتّر أو إجهاد، فيكون فيه العمود الفقري مقوساً بشكل طبيعي ورشيقاً كما هي الانحناءات الفيزيولوجية لأقواس العمود الفقري الطبيعية.

يتطلّب القوام المثالي الوعي الحسّي والحركي الجيّد للجسم. فمن مواصفات الوقوف السليم ما يلي:

- القدمان متوازيتان والمشطان يتّجهان إلى الأمام أو إلى الخارج قليلاً، مع توزيع وزن الجسم بالتساوي على الكعبين ومقدّمة القدم.

- الركبتان على استقامتهما من دون توتر زائد مع عدم وجود ثني أو بسط زائد.

- البطن مسطّحة من دون تهدل إلى الأمام.

- زاوية الحوض تتراوح بين 55 إلى 60 درجة.

- الصدر مرتفع بلا مبالغة.

- الكتفان تتحركان براحة من دون إزاحة إلى الأمام أو الخلف أو الأعلى مع تسطّح اللوحين.

- الرأس فوق مركز الجذع والذقن إلى الأمام من دون رفع أو خفض غير طبيعي أو ميل إلى الجانب.

- الأذنان في مستوى واحد مواز للأرض.

- الظهر على امتداده الطبيعي من دون مبالغة في التسطّح أو الانحناء.

زيادة الوزن من الأمام ترفع من نسبة الثقل الواقع على العمود الفقري، ما يجعل زاوية الحوض تميل إلى الأمام بشكل غير طبيعي. كذلك يتحرّك خط الثقل أو الجاذبية الأرضية الذي يقع في منتصف قاعدة الارتكاز إلى الأمام ليقع خارجها. ذلك يتطلّب زيادة العمل العضلي الواقع على عضلات الظهر للحفاظ على توازن الجسم، ما يؤدي الى إجهاد العضلات والعمود الفقري. في المقابل، يتطلّب ذلك تقوية عضلات البطن لموازنة الحمل. إحدى السمات الواضحة للبدانة أو القوام المرتخي ميل الحوض إلى الأمام، ما يؤدي الى زيادة التقعر القطني ويتطلب جهداً لإرجاع الحوض إلى زاويته الصحيحة فيصبح أسفل الظهر ذا مظهر طبيعي مقعر قليلاً بدلاً من ظهر مجوف غير طبيعي. عند الراحة يُنصح بوضع القدمين على مقعد منخفض بارتفاع 10 إلى 15 سم فوق سطح الأرض لتخفيف الإجهاد من دون بذل مجهود عضلي.

قوام الجلوس: يتعرّض الظهر لخطر الإجهاد بسبب الجلوس لساعات طويلة يومياً، فوضع الجلوس يفرض ثقلاً على العمود الفقري أكبر مما يفرضه الوقوف أو المشي. كذلك الميل إلى الأمام بضع درجات يزيد الضغط المزعج على العمود الفقري والعضلات. لذلك ننصح بالاهتمام باختيار المقعد الجيد الذي يوفر الراحة للظهر والعنق، ويجب أن يتمتّع بمساند للذراعين ويكون ارتفاعه مناسباً لطول المرء فتلامس القدمان الأرض وعمقه يسمح بسند الظهر كاملاً بسهولة.

للجلوس السليم:

- وضع الجلوس صورة معدلة لوضع الوقوف، بحيث يظل الجزء العلوي من الجسم وكأنه في وضع الوقوف نفسه.

- الحفاظ على استقامة الرأس والرقبة والجذع والبطن إلى الداخل.

- يجب أن توضع القدمان بكاملهما على الأرض.

- يكون وضع الركبتين أعلى قليلاً من الفخذين.

- سند الظهر بالكامل على ظهر المقعد.

الاستلقاء السليم: الاستلقاء عموماً يوفر درجة من الراحة لمن يعاني من آلام الظهر. والاستلقاء السليم يتطلّب «مرتبة» جيدة المواصفات، فلا تكون لينة ناعمة لا تستطيع أن تسند الجسم فتتعرض الأربطة والمفاصل للإجهاد، ولا يشترط أن تكون صلبة مؤلمة. يُفضّل أن تكون قوية متماسكة لا تهبط إلى الأسفل مع ثقل الجسم.

أوضاع الرقود:

- الاستلقاء على البطن يزيد التقعر أسفل الظهر، ما يزيد آلام الظهر.

- الاستلقاء المسطّح على الظهر مع امتداد الرجلين يؤدي إلى زيادة التقعر القطني أسفل الظهر، ما يسبّب آلام الظهر.

- الاستلقاء على الجانب مع ثني الركبتين يساعد على فرد التقعر الزائد واسترخاء العظلات الخصرية والظهرية ويقلل من آلام الظهر.