إن حكومة الكويت ومجلسها التشريعي استهانا بالوقت وفوتا فرصة لإضفاء المزيد من الشفافية في مسألة المال والسياسة، فمنذ صدور القانون 47 لسنة 2006 بالموافقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لم تبذل السلطتان أي جهد لإصدار التشريعات اللازمة لتطبيق مبادئ الاتفاقية.

Ad

أول العمود: «البطالة أم الرذائل». مثل فرنسي.

***

الإجابة الحاسمة والمباشرة للمتسبب في قضية المال السياسي المتمثلة بدخول مبالغ مالية لحساب عدد من أعضاء مجلس الأمة نقول: المجلس أولا، والحكومة ثانيا.

ففي أكثر من حادثة وقعت في الماضي كنا نردد: لماذا تأخر التشريع الخاص بها، وأذكر القارئ هنا بما وقع من أحداث عنف وضرب للمدعوين إلى ديوان النائب المحترم د. جمعان الحربش في عام 2010... تساءلنا: أين قانون التجمعات؟ وتبين أنه لا المجلس ولا الحكومة أخذا التشريع البديل لقانون التجمعات بعين الجدية، وسد الفراغ التشريعي بعد حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون الملغي، وكان ذلك في عام 2006!!

ذات المنطق يتكرر اليوم مع فضيحة "القبيضة" كما أسماها معشر "التويتر"، أين قانون مكافحة الفساد والذمة المالية وحماية المبلغ؟

ألخص الضرر الذي أصاب المؤسسة التشريعية والحكومة قبلها من جراء تأخير إنفاذ العديد من التشريعات الخاصة بالشفافية والحكم الرشيد:

أولا: تشويه سمعة مجلس الأمة بكامل أعضائه وتلويثها ومؤسسات الدولة التنفيذية المالية منها والسياسية، وتصويرها بشكل يوحي للرأي العام المحلي والمراقبة الخارجية على أننا منغمسون جميعا في هذه الآفة.

ثانيا: ترسيخ فكرة الممارسة الرديئة لعلاقة "المال في اللعبة السياسية" في أسوأ صورها، فإن كنا نعتبر توزيع الثروة كهبات ورواتب هدرا لها، أو نشاهد ممارسات الهدر الكبير للمال في مسائل أخرى مثل تباطؤ الدولة في تحصيل مستحقاتها من الكهرباء والماء كنوع من الاستخفاف بالثروة الناضبة، نجد اليوم أن الممارسة ذهبت إلى مواقع محرمة وفضائحية كالرشا وشراء المواقف بالمال.

ومن دون شك فإن التراخي في بناء التشريع والتأخر في إصداره وتكرار الحوادث المريبة تؤدي إلى ردود فعل غير واعية لا علاقة لها بصلب الموضوع؛ كمن ينادون اليوم بحل المجلس أو الاستقالة منه، وهما خياران يوفران هروبا إلى الأمام وشراء للوقت، والأسلم في ظني أن ينظف المجلس سمعته بنفسه وبتشكيلة أعضائه الحالية.

وقعت في يدي كراسة صغيرة عنوانها "دور المال في اللعبة السياسية" من إصدار المعهد الديمقراطي الوطني، مؤسسة أهلية أميركية، لخصت الأضرار الفتاكة لدور المال الساسي في بيئة النظام السياسي بنقاط أربع هي: تأمين فرص غير متساوية في مجال المنافسة السياسية بسبب أفضلية طرف على آخر في الحصول على أموال مشبوهة لتعويم نشاطه السياسي، والثانية تكمن في وصول غير متساو للمناصب بسبب ذلك المال المشبوه وحرمان قطاعات من الناس في تمثيل شرائحهم الاجتماعية، وثالثا في تحكم الممولين برجال السياسة بعد فوزهم في المناصب، ورابعا البدء بالتشريعات الفاسدة بناء على أجندة الممولين مستخدمين في ذلك رجال السياسة الذين أوصلوهم إلى سدة التشريع.

على المستوى العملي فإن حكومة الكويت ومجلسها التشريعي استهانا بالوقت وفوتا فرصة لإضفاء المزيد من الشفافية في مسألة المال والسياسة، فمنذ صدور القانون 47 لسنة 2006 بالموافقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لم تبذل السلطتان أي جهد لإصدار التشريعات اللازمة لتطبيق مبادئ الاتفاقية، والتي يتسابق أكثرنا اليوم في تقديمها منفردا؛ إبراء للذمة أو إبعادا للشبهة عنه بسبب ما نشر من معلومات في الـ20 من أغسطس الجاري.