هل العسكر هم الحل؟!

نشر في 25-07-2011
آخر تحديث 25-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 صالح القلاب ما يجري في تونس وفي مصر من فوضى ومشاغبات وألاعيب أولاد يعمق الإحساس بأن الثورة هناك باتت مهددة بانتكاسة كبيرة، وقد تصل الأمور إلى حدّ العودة إلى الانقلابات العسكرية، خصوصاً أن قطاعات واسعة من التونسيين والمصريين باتت تترحم على زين العابدين بن علي وعلى حسني مبارك، وتتمنى لو أن الأمور تعود إلى ما كانت عليه في هذين البلدين رغم مساوئ كل ما كان قائماً، ورغم استشراء الفساد وتراكم الأخطاء وتدهور الأوضاع في كل المجالات.

عندما تعم الفوضى على هذا النحو على غرار ما جرى في ساحة العباسية في القاهرة أمس الأول، وقبله، وعلى غرار اضطراب حبل الأمن في المدن التونسية كافة، وعندما تتعطل حياة الناس ويصاب الاقتصاد بشلل قاتل فإنه أمر طبيعي أن يتمنى المواطن العادي, الذي لم يعد آمناً لا على نفسه ولا على أولاده ولا على رزقه وممتلكاته, لو أن الأمور تعود بكل سوءاتها ومساوئها إلى ما كانت عليه، ولقد جاء في القرآن الكريم: «الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف».

إن المعروف, أو الذي أصبح معروفاً ومؤكداً, أنه لو لم تتدخل القوات المسلحة المصرية في اللحظة الحاسمة، وتقمع الأجهزة الأمنية وتحمي انتفاضة ميدان التحرير, التي أصبح اسمها ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني), لكان مصير هذه الانتفاضة كمصير انتفاضة سابقة أطلق عليها الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات اسم «ثورة الحرامية»، ولكانت السجون الآن مليئة بالشبان الذين صدَّقوا أن رسائل الـ»فيس بوك» هي التي أزاحت حسني مبارك، وهي التي أذابت حزباً عدد أعضائه بالملايين، ويسيطر على البلاد بقبضة حديدية.

وهذا ينطبق على تونس التي لو لم يتبن الجيش حادثة محمد البوعزيزي, من قرية سيدي بوزيد, ويحولها إلى مظاهرات عمت البلاد كلها، ولو لم يقتلع زين العابدين من قصره ويرسله شبه مخفورٍ مع زوجته إلى جدة، لكانت نهاية هذا الذي جرى كنهاية ثورة الخبز الشهيرة في أواخر عهد الحبيب بورقيبة التي قمعها هذا الرئيس المطاح نفسه بالقوة، عندما كان وزيراً للشرطة، ليعبد الطريق لنفسه إلى قصر قرطاج، ويحكم البلاد بالحديد والنار كل هذه السنوات الطويلة.

لقد أدت الحماقات والألاعيب الصبيانية إلى انتكاس عمليات إصلاح كثيرة كانت جادة وواعدة، وبدأت تعطي أُكلها، وربما غير معروف للبعض أن التصرفات القصيرة النظر قد حرمت الأردن أهم محاولة ديمقراطية فعلية ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم الثالث كله، حيث في عام 1956, وفي ذروة صراع المعسكرات والحرب الباردة, تم الاعتراف بشرعية الأحزاب كلها بما فيها الحزب الشيوعي، التي أصبح لكل منها صحيفته الناطقة باسمه ومقراته الخاصة، والتي خاضت معركة انتخابات تشريعية حقيقية، فتمثلت كلها في البرلمان الذي أسفرت عنه تلك الانتخابات، لكن كل شيء قد انهار وللأسف بعد أقل من عام بسبب قصر النظر والتصرفات الطائشة غير المسؤولة.

إن هناك مخاوف حقيقية من انتكاسة لحساب انقلاب عسكري سواء في مصر أو في تونس، والخوف كل الخوف أن يغتال النزق الطفولي مسيرة الإصلاحات التي كانت قد اتخذت خطوات جدية منذ البدايات في الأردن، فالناس بدأوا يضيقون ذرعاً بكل هذه الألاعيب الصبيانية، فالاستقرار بالنسبة إلى هؤلاء أهم من كل شيء، خاصة أن أكبر القوى التي ترفع شعار التغيير والإصلاح لا هي إصلاحية ولا هي ديمقراطية، لاسيما أيضاً أن المثل يقول: «عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة»!

back to top