عندما غزانا صدام في عام 1990 ادعى أنه يريد تحرير فلسطين، ولإثبات جديته ألقى بصواريخه على تل أبيب. عندها تعاطف معه العديد من الشعوب العربية وخاصة الفلسطينيين، لكننا عبنا عليهم ذلك الموقف لأنه كان ينمّ عن قلة وعي وانخداع بحيل صدام وأكاذيبه، وكان هذا التعاطف من أحد أسباب عناد صدام وإصراره على مواصلة الاحتلال لتحقيق أجندته الخاصة لا تحرير فلسطين، بينما لو كانت هذه الشعوب واعية ولم تتظاهر تأييدا له لكان المشهد مختلفا تماما، فالعبرة من هذه الحالة أنه من المستحيل أن يكون فاسد وكاذب مساندا حقيقيا لقضية نبيلة، ولذلك يجب ألا ننخدع بالشعارات ونعتبرها كافية لتحديد موقف ما.
ما يجري في الكويت يشبه هذه الحالة، (مع ملاحظة أن الأمثال تضرب ولا تقاس) حيث تظاهرت كتلة الضد لإسقاط الحكومة، ويدعي نوابها أنهم زعماء الإصلاح وناشدوه، وهم من يحمي المال العام ويحارب الفساد، مع أن الواقع يثبت العكس، فمن نواب كتلة الضد من له تاريخ في تخليص المعاملات غير القانونية، ومنهم من وصل إلى المجلس عن طريق الفرعيات المجرّمة قانونا، ومنهم الطائفي والتكفيري الذي يريد فرض معتقداته على الجميع مع أن الدستور يضمن الحريات، ومنهم من استعمل المال العام عن طريق الكوادر العبثية كورقة لتصفية حساباته مع الحكومة، بالرغم من الآثار الكارثية لهذه السياسة السفيهة على مستقبل الأجيال القادمة.لذلك من الواضح أن هؤلاء لا يريدون الإصلاح لأن فاقد الشيء لا يعطيه، بل لديهم أجندة أخرى من وراء هذا التصعيد المستمر بدأت تظهر يوما بعد يوم لأن المرء مخبوء تحت لسانه.وفي خضم هذا المشهد هناك كثير ممن شاركوا في هذه المظاهرات مع إدراكهم بأن هؤلاء النواب المتصدين لها لا يريدون الإصلاح وليسوا أهلا له أصلا، بل يريدون تحقيق أجندتهم الخاصة، ومع ذلك يبررون مشاركتهم بأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم وبأنهم مع العنوان لا مع الأشخاص، وهذا لعمري منطق سطحي لأنه فات على هؤلاء أنهم يعطون زخما لهؤلاء النواب ولأجندتهم الخاصة شاؤوا ذلك أم أبووا، لأن هؤلاء النواب هم المتصدون لهذا التحرك وسيجيرون أي نجاح لمصلحة أجندتهم الخاصة لا إلى الإصلاح الذي يرفعون علمه، تماما مثلما خدمت بعض الشعوب العربية أجندة صدام كما طرحنا بالمثال.ولذلك كان حريا بكل من قلبه على البلد وينشد الإصلاح بصدق أن يخرج بمظاهرة منفصلة نقية لا يتصدى لها بعض الفاسدين ومخالفي القانون، فكيف تريدون محاربة الفساد بالاشتراك مع فاسدين آخرين في آن واحد؟!البعض يظن أن حل الحكومة والمجلس والإتيان برئيس وزراء جديد سيحل مشاكل البلد، ويبدأ في الإصلاح ومحاربة الفساد، لكن أقول لكم من الآن إن ذلك لن يتحقق، فقد علمتنا التجارب أن "ليس كل ما يتمناه المرء يدركه"، فقد سبق أن خرجنا في مظاهرات "نبيها خمسة" وظننا أن تعديل الدوائر سيقضي على الطائفية والقبلية وسيؤدي إلى تصويت الناس للقوائم السياسية وليس للأفراد، لكن ما حدث هو العكس تماما، حيث ازدادت الفرعيات قوة، ومال الناس أكثر للتصويت للأفراد لا إلى التيارات، وازداد تفكك المجتمع، وحتى بعض نواب الخدمات صاروا معارضة ومن نواب الصراخ لأنهم لم يعودوا قادرين على النجاح بالمعاملات فقط.وبالمثل فإن تشكيل حكومة بنهج جديد يطبق القانون ولا يميز بين المواطنين حسب العرق والطائفة لن يلقى قبول أغلبية من يتظاهر اليوم بساحة الإرادة لأنهم تعودوا على قبض المال من دون عمل والمعاملات والتعيينات بالواسطة وتجاوزا على الآخرين.من الصعب إقناع الكثيرين بوجهة النظر هذه خصوصا مع كل التمثيل والدجل والشعارات البراقة التي ترفع اليوم زورا وكذبا، لكن سيأتي يوم (والأيام بيننا) يكتشف فيه الكثيرون أنهم لم يكونوا سوى أداة استعملها الآخرون لتدمير البلد لا إصلاحه.
مقالات
لستم سوى أداة... والأيام بيننا
01-12-2011