التربية بين المليفي والحجرف
كتب أحد المغردين الظرفاء في "تويتر" بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وبعدما اتضح خروج وزير التربية السابق أحمد المليفي منها، إنه تقديراً لجهوده الواضحة في الوزارة سنطلق حملة لوضع عشرة آلاف "فلاش ميموري" أمام بيته، في إشارة لاسعة لمشروع "الفلاش ميموري" الذي كان أطلقه المليفي ليكلف ميزانية الدولة ربع مليون دينار، في صفقة فاحت منها رائحة التنفيع، لمشروع انتهى كما شاهد وتابع الجميع إلى الإخفاق التام، وذلك كما تنبأت وكثيرون غيري بذلك، وكتبنا وتحدثنا في ذلك كثيراً قبل إطلاق المشروع، ولكن لا حياة لمن تنادي! المشاريع "الجدلية" للأستاذ المحامي أحمد المليفي في وزارة التربية متعددة، منها أيضاً، على سبيل المثال قيامه قبل رحيله بمدة ليست بالبعيدة، بتغيير نظام الدرجات لطلبة المرحلة الثانوية، وهو القرار الذي أثار ردة فعل كبيرة من المعلمين وأولياء الأمور الذين رفضوه متنبئين بعواقبه الوخيمة، ولكن أيضا كانت النتيجة أن "لا حياة لمن تنادي"، لينتهي الأمر إلى نتائج كارثية لطلبة المرحلة الثانوية في الاختبارات الدراسية الماضية كما شاهدنا وتابعنا أيضاً! واليوم، مع تشكيل الحكومة الجديدة، ودخول نايف الحجرف، وزيراً للتربية، والذي هو بالمناسبة رجل مال وأعمال واقتصاد، قضى كل سنواته الماضية في هذا المجال، ولا أدري ما علاقة ذلك بالتربية والتعليم، كما كنت لا أدري ما علاقة مجال المحاماة والقانون بالتربية والتعليم عندما تم إسناد الوزارة للأستاذ المحامي المليفي، كنت أقول إن اليوم مع استلام الحجرف لحقيبة وزارة التربية وخلال 48 ساعة من توليه المنصب، قام بإلغاء النظام السابق الذي كان استحدثه المليفي في نظام الدرجات، من باب تصحيح ذلك الخطأ. ولا شك أن المراقب البسيط قد يرى الأمر جيداً، وأن أولياء الأمور والمعلمين قد يرون فيه إعادة للأمور الى نصابها الصحيح، ولكن من ناحيتي، وحين علمت بالأمر وكأني أصبت بضيق في التنفس وحموضة في المعدة! اتخاذ هذا القرار، رغم انه قد يكون صائباً بذاته، بهذه السرعة يضع لنا الكثير من الاحتمالات للطريقة التي تدار بها هذه الوزارة العتيدة التي يفترض أنها هي التي تشرف على إنتاج الأجيال وتخريجها، ويكشف لنا عن هزال فلسفة وآلية اتخاذ القرارات فيها، ولنأخذها خطوة خطوة. قرار المليفي السابق لتعديل نظام الدرجات، إما أنه كان نتيجة دراسة قام بها المتخصصون من الوكلاء والموجهين والمعلمين مثلاً، فكانت النتيجة والتوصية التي أخذ بها الوزير السابق مبررة، وبالتالي فقيام الوزير الجديد، الحجرف، بتغييرها بهذه السرعة الفائقة، هو أمر غير مقبول جملة وتفصيلاً، وإما أن المليفي كان قد اتخذ قراره السابق ارتجالاً ودون دراسة أبعاده، لأسباب ما، فجاء الحجرف وشطبه هكذا أيضا بجرّة قلم. وفي كلتا الحالتين، فالأمر يكشف لنا أن في وزارة التربية لا صوت للقرار المتخصص، وإنما هو قرار سياسي ارتجالي بحت، لأنه إن كان القرار السابق كان قد بُني على أساس علمي، فكيف يسمح المتخصصون من قيادات الوزارة اليوم للحجرف بإلغائه هكذا؟ وإن كان القرار آنذاك قد جاء ارتجالياً فأين كان المتخصصون أيضاً حينها وكيف سمحوا للوزير السابق بذلك العبث؟! المثل الدارج يقول، الكتاب يُقرأ من عنوانه، وإن كان هذا المثل لا يصح دائماً، فخشيتي أنه سيصح في حالة وزارة التربية التي يقودها اليوم الوزير الحجرف. معالي وزير التربية، لندع التصريحات الإنشائية التي أطلقتها منذ أيام عن الحقبة الجديدة والشفافية وغير ذلك جانباً، ولن نؤاخذك عليها، فهذا أمر مألوف لكل وزير جديد يعتريه الحماس، ولتبدأ، إن كنت جاداً بالإصلاح في هذه الوزارة المسكينة، بالتخلص من تلك المجموعة القديمة المتزلفة والملتصقة بكراسيها في وزارة التربية منذ الأزل، وهي التي تعاقب عليها الوزراء، بكل أشكال الطموحات والشعارات والتصريحات، ولم يزدد وضع التربية والتعليم على أيديهم إلا تدهوراً وضعفاً. تخلص منهم، واحقن الكوادر المتخصصة الحقيقية في شرايين وزارتك، بالأخص من الدماء الشابة التي حرمت من فرصتها على يد أولئك القدماء، واطلب منها مشاريع تطوير حقيقية، واربط الأمر بجداول زمنية للتنفيذ خلال فترات معقولة، واشرك في ذات الوقت المعلمين في العملية التطويرية، فهم المحرك الأساس لكل هذا المشهد، وليكافَأ المجتهد والمخلص وليعاقَب المتخاذل والمتكاسل ويتم إقصاؤه، وحينها سنصفق لك ونكون معك. إما هذا يا معالي الوزير، وإلا فإنك ستلحق بمن سبقوك، وسيلحق بك ما لحق بهم!