بعد التظاهرات المتكررة للبدون يبدو أن الحكومة قررت المواجهة مع غياب تام لأي معالجة، ولا أدري إن كان لدي حكومتنا أي تصور لمعالجة قضية تركت في مهب الريح لأكثر من نصف قرن رغم أهميتها على التركيبة السكانية وبُعدها الإنساني.

Ad

ولكي نقف على حجم المشكلة سنرجع إلى المعلومات المتاحة عن آخر بيانات الإدارة المركزية للإحصاء، والتي تهدف إلى عرض المكونات الديموغرافية للمجتمع كمدخل أساسي للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي بهدف مساعدة الدولة على تحسين الخدمات والبنى التحتية، ورفع مستوى المعيشة للمواطنين والمقيمين، حيث تشير المعلومات الأولية إلى أن تعداد دولة الكويت تجاوز 3 ملايين و600 ألف نسمة، يشكل الكويتيون منهم مليونا و150 ألف نسمة والبقية أجانب، لكن اللافت أن عدد غير محددي الجنسية لم يتجاوز المئة ألف، وهنا تأتي المفارقة، فهذا الرقم من حيث إجمالي عدد السكان يشكل 1 إلى 36، وهي نسبة لا تشكل معضلة إن أرادت الحكومة حلها.

هذه المشكلة بدأت مع تدفق النفط، حيث توالت الهجرات إلى الكويت بحثاً عن طلب الرزق والمساهمة في بناء الدولة الحديثة، ففتحت الأبواب على مصراعيها، حيث شجعت الدولة أبناء البادية للدخول في المؤسسات العسكرية، وعاملتهم على أنهم جزء من كيان المجتمع، لكن الحال تغيرت خصوصاً بعد تحرير الكويت، فبدأت معاناة الجيلين الثاني والثالث ويمكن الرابع في مفارقة عجيبة، فبدلاً من احتضانهم كمواطنين لم يعرفوا غير الكويت وطناً انتهجت الدولة معهم أسلوب التضييق في كل شيء، وبدلاً من أن يكون يوم التحرير مفصلياً في تحديد الهوية بحسب الولاء كان ذلك اليوم يوم الغربة في الوطن.

هذا التضييق تسبب في الكثير من المآسي لمجموعة كبيرة من أبناء تلك الفئة، فمنهم من يعيش في أدنى حالات الكفاف وضيق ذات اليد، "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، وهنا أتكلم عن حالة من التشرد والضياع لأجيال لم يعرفوا كيف يوفرون قوت يومهم، فكل الأبواب موصدة أمامهم، وحتى أقرّب الصورة فقد جرت حادثة مع ابني هذا الأسبوع وهو يلعب على دراجته أمام المنزل، وفي لحظة أشبه بالدراما التلفزيونية، وجدته يصرخ دون شعور وأن هناك من سرق دراجته عنوة، وفي لحظات هرولت إلى خارج المنزل متبعا السارقين، وإذا بهم أطفال في عمر الزهور لا تتجاوز أعمارهم الأربع عشرة سنة ولوا هاربين تاركين خلفهم دراجتين بدلاً من دراجته، وكأني أمام غنائم حرب، وعند الإمساك بهم تبينت أنهم من غير محددي الجنسية.

هذه الحادثة جرتني إلى مجموعة من الأسئلة, أهي التربية؟!! أم ضيق الحال؟!! وهل هذه السرقة من المنظور الشرعي حلال أم حرام؟ كل تلك الأسئلة أظن أن إجابتها عند الحكومة، راجياً منها المعالجة لا المواجهة.

ودمتم سالمين.