قمة الرياض الخليجية من المنتظر أن تنعقد في 19- 20 الجاري، وشعوب المنطقة تريد أمناً وفرصاً اقتصادية، ومن حسن الحظ، فإن التوجه الذي تبلور أخيراً هو لعقد اتفاقات جماعية مع المجلس ككتلة وليس على أساس فردي.
وقد أثبت "مجلس التعاون" فعاليته وجدواه عندما أرسل قواته إلى دولة الكويت لتحريرها من الاحتلال الصدامي، وأرسل "درع الجزيرة" إلى مملكة البحرين لتمكين سلطاتها من معالجة الاضطرابات فيها، وذلك لحماية منشآتها الحيوية دون التدخل في شؤونها الداخلية، وقد جاءت شهادة اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق التي أمر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بتشكيلها، لمصلحة هذه القوات التي أدت مهمتها على خير ما يرام دون التدخل في أي شأن داخلي.هذا من الناحية الأمنية، أما من الناحية الاقتصادية، فعلى الرغم من أن الاتفاقات بهذا الشأن تتطور ببطء بما لا يتناسب مع تطلعات شعوب المجلس، فإن العارفين بالشأن الخليجي يرون أنها على بطئها أفضل من عدمها، "وما لا يدرك كله لا يترك جُلّه"، وهناك رغبة ملحة لدى القريبين من أصحاب القرار لتكثيف التقارب بين دول المجلس.يتساءل الأمير تركي الفيصل: "ما الذي يمنع دول المجلس من اتخاذ قرار توحيد القيادة العسكرية، وتوحيد العمل الاقتصادي؟". والجواب على ذلك هو التمسك بمنطق "السيادة المطلقة" فدول الخليج حديثة الاستقلال وهي لا تريد أن "تفرط" فيه، وعندما يتم إنشاء كيان أكبر فدرالي أو كونفدرالي، كالمنتدى الأوروبي، فلا بد أن تتنازل كل دولة مشاركة عن شيء من استقلالها كاستخدام العملة الموحدة، مثلاً، وتحمُّل أعباء تأزمها، كما هو حادث لليورو، ولكن ما حدث بين دول الاتحاد الأوروبي الثلاث: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا يعطي ضوءاً آخر النفق! فألمانيا وفرنسا تريدان تقوية الاتحاد وتحمل أي تبعات، وبريطانيا، التي تحتفظ بعملتها الخاصة بها حتى الآن، لا تريد ذلك رغم انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لهذا سارت الدولتان- مع البقية- في طريق، وفضلت بريطانيا السير في درب آخر.وبالنسبة إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يمكن لأي دولة أن تنهج الطريق الذي تراه، مع بقاء من يريد التريث والانتظار إلى الوقت الذي يناسبه، فالتمسك بمبدأ الإجماع في كل شيء "أرهق" الجامعة العربية... فلماذا تتمسك دول الخليج العربية بهذا "المبدأ المرهق"؟ وفي هذا الوقت الذي تتحرك فيه الشعوب العربية مطالبة بالإصلاح والتغيير، فقد حان الوقت لتنظر دول المجلس في تقوية وتعزيز صلاحيات هيئاتها الشعبية التي تجتمع لبحث الأمور المشتركة. وثمة مطالبات "رسمية" سابقة بمثل ذلك. وسيكون من المناسب أن تنظر القمة الخليجية المقبلة في هذا الأمر لأن ذلك من شأنه تقوية اللحمة الاتحادية بينها. وثمة فكرة جديدة جاءت من دولة الكويت، ففي تصريح صحفي لحمود الروضان، مدير إدارة مجلس التعاون: "إن مصر على قائمة الانضمام إلى مجلس التعاون"- (الأنباء الكويتية 11/12/2.11م، و"الأيام " البحرينية 12/12/2.11م).ونعتقد أن هذه فكرة صائبة، وتحقق للطرفين الخليجي والمصري، أفضل النتائج. ففي ضوء النظر في عضوية كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية بمجلس التعاون، فإن مصر أيضاً جديرة بكل اهتمام ودعم، كما قال الروضان: فلها الأفضلية في ذلك، بأن مجلس التعاون تنضم إليه كتلة بشرية، هي شعب مصر البالغ تعداده حوالي ثمانين مليوناً مع إمكانات استثمارية هائلة، ومن ناحية المجلس، فيمكن أن يحقق لمصر العربية دعماً اقتصادياً، هي بحاجة إليه في ظروفها الراهنة.ثم إن ضم كل من الأردن والمغرب ومصر يبعد عن مجلس التعاون أي شبهة إقليمية، ويعطيه بعداً عربياً مهماً يمثل حقيقته، فهو لم يكن في يوم من الأيام تجمعاً إقليمياً، ولكن انحصاره في إقليمه أعطاه ذلك البعد. وجميع قادة المجلس لديهم هنا التوجه العربي، ولا بد من استغلال اللحظة التاريخية الراهنة لوجود قادة من هذا الطراز العربي، خصوصاً الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، الذي نعرفه بتوجهاته العربية منذ البداية.لا يمكن للمرء أن يخرج من جلده، "والعروبة" هي قدر كل بلد عربي الشعور، عربي الانتماء، وحسب الرؤية الكويتية، وهي ذاتها الرؤية العامة لدول المجلس، فإن أول قمة خليجية بعد الأحداث العربية الجارية لابد أن تكون "قمة مشاكل العالم العربي". هل بإمكان دول الخليج العربي تجنب ذلك؟ إذن لابد من وضع تصور لحل تلك المشاكل، وذلك لن يكون إلا بزيادة التلاحم بين دول المجلس أمنياً واقتصادياً، وبالتالي سياسياً.* أكاديمي ومفكر من البحرين
مقالات
القمة الخليجية المقبلة... هل تحقق المنتظر منها؟
15-12-2011